خطاب التأكيد والعزم والإرادة

نور الدين الجمال

أثار الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد بعد أدائه اليمين الدستورية الكثير من التعليقات، إذ وجّه فيه رسائل مهمة من خلال هذه المحطة الدستورية، شكلاً ومضموناً. وتوقف كثر عند المراسم التي رافقت حفل القسم الدستوري وقارن بعضهم بين المشهد في قصر الشعب ومشهد الكرملين بعد انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين، والحقيقة التي أجمع عليها المعلقون والمراقبون هي أن الخطاب كان بمثابة خاتمة لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة بدأت مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، إذ شكّل إجراؤها بذاتها معجزة باعتراف أعداء سورية، بينما كانت هبّة السوريين للمشاركة وتحدي التهديدات والقذائف ثورة في وجه العدوان الذي يستهدفهم، وكان الرئيس الأسد موفّقاً في استخدام هذا الوصف لحركة الشعب السوري التي أدهشت العالم.

الحرب على الإرهاب أولوية سورية مستمرة، مثلما تناولها الرئيس الأسد في خطابه الذي جدّد فيه التأكيد كما في بداية الحوادث قبل أكثر من ثلاث سنوات على أن الإرهاب الذي يضرب سورية هو أداة لعدوان استعماري رجعي وامتداد لصراع تاريخي في المنطقة بين قوى التحرير والمقاومة والحلف الاستعماري الصهيوني، وفي صلبه أدواته الإقليمية المتخلفة والتابعة للغرب وحاضنة الإرهاب التكفيري. فالقرار بمواصلة الحرب ضد الإرهاب وحماية الشعب السوري وتأكيد وحدة الأرض والشعب في وجه المخطط المعادي هو التزام حاسم للدولة الوطنية السورية، مثلما عبّر عنه الرئيس الأسد، وهذا مؤشر إلى ما ستشهده المرحلة المقبلة من حشد للجهود والطاقات السورية لإعادة الأمان وسحق معاقل الإرهابيين وإنقاذ سورية من هذه الآفة.

كان لافتاً أن الرئيس الأسد أشار بوضوح تام إلى وجهة العمليات القادمة للجيش العربي السوري من خلال الفقرة التي تعهد فيها بمواصلة النضال لفرض الأمن والأمان، وحلب العزيزة على قلوب السوريين هي شريكة في تقديم الشهداء دفاعاً عن سورية، كما لفت تأكيده على الالتزام بتحرير الرقة من سيطرة الإرهاب.

في موازاة الحرب لمكافحة الإرهاب، ثمة حزم سوري آخر لا يقل أهمية أشار إليه الرئيس الأسد حول متابعة خط المصالحات الوطنية على امتداد سورية، وفي جميع مناطقها، واستخدم على نحو مقصود عبارة «المصالحات المحلية» لاسترجاع المتورّطين إلى حضن الوطن، مؤكداً بذلك على صدقية الخطوات التي تمّت برعايته في ريف دمشق وحمص وريفها خاصة، وفي ذلك مؤشر إلى منهجية ستؤدي إلى تفكيك ما يسمى بـ«البيئة الحاضنة» خلال الفترة المقبلة، مستنداً إلى موقف شعبي عبّرت عنه الانتخابات الرئاسية.

خصّ الرئيس الأسد الحكومات الغربية والعربية والإقليمية المتورطة في الحرب على سورية بتأكيد الاستنتاج الذي أعلنه منذ بداية الحوادث، من أن احتضان تلك الدول الإرهاب ودعمه في حربها على سورية لن يعفيها من النتائج والارتدادات، ولن يطول الزمن قبل أن تدفع ثمن تورّطها في دعم جماعات التكفير والقتل الدموية التي حشدت لتدمير الدولة الوطنية السورية، وهذا ما تؤكده الوقائع في المنطقة العربية والعالم.

كان بارزاً في خطاب الأسد تحديده التوجهات المستقبلية في سورية التي تندرج في سياق رؤيته إلى الوضع في المنطقة، وربطه المتميّز بين مخطط الحرب على سورية ومسار الصراع العربي ـ الصهيوني. وكان موقفاً مبدعاً تأكيده مبدأ مركزية القضية الفلسطينية في السياسة السورية، كذلك تأكيده أن جميع التحركات الاستعمارية في المنطقة مرتبطة بالمخطط الصهيوني منذ مطلع القرن الفائت. وفي موضوع الحرب الراهنة على غزة، أطلّ الرئيس الأسد على الموضوع الفلسطيني بلغة وعقل القائد العربي التاريخي المقاوم والمترفع عن خطايا الجاحدين والناكرين لدور سورية في دعم المقاومة واحتضانها، مؤكداً أن الهمّ المصيري الرئيسي هو فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية بالشراكة مع المقاومة اللبنانية التي وجّه إليها تحية حارة من موقع الالتزام التحرري المشترك في الدفاع عن لبنان وسورية معاً.

في خطاب الرئيس بشار الأسد أفكار كثيرة ومواقف وخيارات واضحة وحاسمة ورسائل موجهة إلى الخارج والداخل، مضمونها الأساسي أن الانتصارات التي تحققت بفضل جهود الشعب السوري ووعيه وتضحيات الجيش العربي السوري المقاتل، تمثل الرصيد الذي تنطلق به سورية قوية وواثقة إلى نهوضها بأعباء دورها القومي وسيرها في خطة إعادة البناء والتعافي من آثار العدوان العالمي عليها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى