صراع طائفي أم جيوبوليتيكي؟
صهيب خزار
إنّ ما يسمّى بـ«الصراع السني الشيعي» الذي طفا على السطح في السنوات الأخيرة والذي جاء مع ما يسمّى بـ«الربيع العربي»، هو تصادم غير متجسّد بتجليه الصلب بين جموع المسلمين السنة والشيعة، أيّ أنّ الصراع لم يصل إلى درجة القتال المسلح المباشر بين الطرفين، بل ما يمكننا توصيفه في هذا الشأن هو صراع إرادات جيوسياسية «براغماتية قيمية» بين فواعل دولية تُحسب على الطرفين، بين من يعتبرهم البعض ممثلين لكلّ السنة السعودية، تركيا وبشكل أقلّ بعض التنظيمات السلفية الجهادية كتنظيم «القاعدة» وداعش» ، وبين من يعتبرهم البعض ممثلين للشيعة إيران، حزب الله، وبشكل أقلّ حركة أنصار الله اليمنية والحشد الشعبي العراقي في دول عديدة من الشرق الأوسط سورية والعراق واليمن والبحرين ولبنان»، أيّ أنّ الصراع لم يصل إلى درجة الاقتتال والتصفية بين الإثنيات على المستوى «الشعبي المجتمعي» البعيد عن الاصطفافات السياسية، ففي هذا المستوى لا يزال الصراع على مستوى الطروحات الفكرية والنقاشات الايديولوجية، وهو تاريخي المنشأ ولم يصل بدوره إلى الذروة، خاصة مع وجود طبقة وسطية معتدلة في كلا المذهبين.
فلو نرجع للصراعات ذات الأهداف الحيوبوليتيكية التي تصفها بعض وسائل الإعلام على أنها صراعات مذهبية هي في الحقيقة صراع امتدادات وتوازنات إقليمية ودولية لا غير، فلو نرجع مثلاً إلى تدخل حزب الله في سورية نرى أنّ هدفه ليس مذهبياً بل جاء في خضمّ ما يُسمّى في المعطى الاستراتيجي بالحرب الوقائية أو الاستباقية التي جاءت في ظروف زمانية ومكانية خاصة جداً حتمت عليه التدخل في سورية بعد أن سيطرت العديد من التنظيمات المتطرفة «الجهادية» المعادية على مناطق استراتيجية على الحدود السورية اللبنانية، وهو ما يعتبر خيار ضرورة بالنسبة إلى حزب الله الذي هُدِّدت طرق إمداداته اللوجيستية وواجه بذلك خطراً وجودياً مستقبلياً بإمكانية دخول هذه المنظمات إلى العمق اللبناني وتهديد الحزب والدولة اللبنانية على السواء، لهذا فقد جاء التدخل بعيداً عن أيّ اعتبارات طائفية أو مذهبية.
كما يمكننا الإشارة إلى أنّ التحرك الإيراني في الشرق الأوسط في فترة ما يسمّى إعلامياً بـ«الربيع العربي» هو تحرك طبيعي بحكم أنّ إيران قوة إقليمية لها حلفاؤها ومصالحها في هذه المنطقة، كما هي الحال بالنسبة إلى السعودية أو تركيا اللتين سجَّلتا تحركهما في هذه الفترة باتجاه معيّن دعمتا فيه بعض الحركات على حساب الأخرى خدمة لمصالحهما وتوجهاتهما الجيوسياسية، وقد لجأتا إلى تقديم كلّ ما في يديهما لإسقاط الدور الإيراني في المنطقة، ولجأتا لبناء تحالفات «عبر إقليمية» لتحقيق أهدافهما…
وقد كشفت الأزمة السورية طبيعة التحالفات القائمة بين الأطراف المتصارعة على الأرض، كما كشفت هذه الأزمة طبيعة الصراع القائم بين المحاور الإقليمية والدولية وهو الصدام البعيد كلّ البعد عن أيّ تجلٍّ ديني أو مذهبي أو إثني رغم المحاولات اليائسة لبعض وسائل الإعلام «المتطرفة» لإلصاق سمة الطائفية للنزاع في سورية بهدف حشد وتجييش أتباع المذاهب الإسلامية خلف طرف ما في هذا الصراع، فرأينا على اثر ذلك بعض رجال الدين المتطرفين الذين احتوتهم بعض وسائل الإعلام في قطر والسعودية خاصة، وكيف حاول البعض منهم التحريض على أتباع أحد المذاهب الإسلامية، وكيف طلب وقفة لله من أميركا في سورية وتوسّل الولايات المتحدة الأميركية التدخل لإسقاط النظام السوري «الكافر» حسب تعبيره.
ولقد باءت كلّ محاولات التجييش الطائفي والمذهبي في خضم هذه الأحداث المتعاقبة منذ سنة 2011 رجوعاً إلى طبيعة التجاذب الفكري بين الطرفين الذي لم يصل إلى ذروته في الأمة الإسلامية منذ مئات السنوات نتيجة لوجود طبقة معتدلة ووسطية بين الطرفين تدعو إلى نبذ الخلافات التاريخية جانباً، وبناء أرضية فكرية مشتركة تكون دعائمها وأساسها مصلحة الأمة العربية والإسلامية أولاً وقبل كلّ شيء، وتغليب مصلحة الأمة على الصراعات التاريخية الضيّقة، وهي النظرة التي أبعدت كلّ سبل تحويل النزاعات الإقليمية في العالم الإسلامي إلى حروب وصراعات طائفية…
باحث جزائري، المركز الدولي
للدراسات الامنية والجيوسياسية
www.cgsgs.com