سورية لفترة اختبارية تسبق جنيف… وانتخابات نيابية دستورية في نيسان الحريري يفشل في جرّ الحكومة لإدانة مَن يخالف السعودية فيختار العرائض
كتب المحرّر السياسي
دخلت سورية في تطبيق خارطة طريق لتنفيذ القرار الأممي 2254 تقوم على ثلاث نقاط كانت حصيلة المفاوضات الطويلة التي دارت خلال الأسابيع الفاصلة منذ فشل جولة جنيف الحوارية بين الحكومة السورية ووفد جماعة الرياض قبل شهر، والنقاط الثلاث هي: اعتبار المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب هي الحرب على «داعش» و»النصرة»، ويخوضها طيران التحالف الذي تقوده واشنطن وسلاح الجو الروسي والقوات المسلحة وسلاح الجو التابعان للجيش العربي السوري، كما ورد في البيان الروسي الأميركي المشترك الذي حدّد موعد لوقف النار صبيحة يوم السبت المقبل.
أما النقطة الثانية فهي تخيير الجماعات المسلحة التي تتشكل من لائحة ثالثة غير محسوم أمرها للانضمام إلى إحدى اللائحتين، لائحة للمشاركين بالعملية السياسية، تضمّ المعارضة السياسية أطيافها المختلفة وتحصر الجماعات المسلحة بلجان الحماية الكردية، ولائحة التنظيمات الإرهابية وتضمّ «داعش» و»النصرة» بانتظار مَن سيضيفهم مجلس الأمن في ضوء اختبار وقف النار، الذي يضع هذه الجماعات التي تسبّب الخلاف على تصنيفها بين المعارضة المقبولة في العملية السياسية والتنظيمات الإرهابية، في مرحلة أولى أمام امتحان الانفصال عن «جبهة النصرة» كشرط للمشاركة في وقف النار ولاحقاً الانخراط بمحاربتها كشرط لدخول العملية السياسية.
النقطة الثالثة حسم أمر التدخل البري التركي السعودي في سورية سلباً، وتكريس ذلك ببيان رسمي تركي صادر عن وزارة الخارجية التركية وآخر عن الخارجية السعودية يعلنان فيهما أنّ أيّ تدخل في سورية سيكون من ضمن شراكة كاملة للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.
هذه الفترة الاختبارية يفترض أن تمهّد لجنيف في جولة جديدة من الحوار، يتشكّل فيها وفد المعارضة من ثلاثة مكونات، المعارضة السياسية بأجنحتها المشاركة في جماعة الرياض والموجودة خارجها، واللجان الكردية، ومن سيفرزه وقف النار من الجماعات المسلحة خارج حلف «جبهة النصرة».
المسار السياسي الذي سيمتدّ لسنة ونصف السنة كما يقول القرار 2254، لم يعطل مواعيد الاستحقاقات الدستورية للدولة السورية التي حدّد مرسوم رئاسي موعد الانتخابات النيابية فيها في مطلع شهر نيسان المقبل.
بين المسارات المتعدّدة لوقف النار والحرب على الإرهاب، والاستحقاقات الدستورية والعملية السياسية، ستكون سورية على موعد مع حلقات حاسمة خلال شهرين، أبرزها النجاح المتوقع للتخلص من البنى الرئيسية لـ«جبهة النصرة» ومن يلوذ بها، وإنتاج برلمان جديد يلاقي العلمية السياسية والحرب على الإرهاب، بحكومة جديدة يفترض أن تلي الانتخابات النيابية.
النموذج الذي تقدّمه سورية في انتصاراتها، واستحقاقاتها، كما في النجاح بمعالجة نفاياتها، يكفي للمقارنة بين نموذجي الدولة المدنية والحرة، والدولة الطائفية والموزعة الولاءات الخارجية، كما هو الحال المهين الذي يتلقاه اللبنانيون كلّ يوم من السلوك السياسي والإداري لبقايا مؤسسات دولتهم.
من طرائف هذا السلوك أن تنعقد الحكومة، التي لم تجد وقتاً لاجتماع طارئ لتثبيت متطوّعي الدفاع المدني، في اجتماع خاص لاسترضاء الملك السعودي الغاضب على لبنان، وصدر عن الحكومة في نهاية الاجتماع بيان لا يلبّي ما تطلع إليه السعوديون، فأعلن الرئيس سعد الحريري إطلاق التوقيع على عريضة شعبية لإدانة كلّ مَن يخالف السعودية أو يختلف معها، كما كان يرغب أن يتضمّن الموقف الحكومي لاسترضاء حكام المملكة.
الحكومة تتمسك بالبيان الوزاري
استغرقت جلسة مجلس الوزراء أمس 7 ساعات شهدت مناقشات حادة حول مضمون البيان لجهة رفض تضمين الإجماع العربي بالمطلق وتحديدها وربطها بعبارة «المصالح المشتركة»، رفض المس بأي مكون من مكونات الحكومة وتصنيفه بالإرهاب من قبل أي دولة، رفض تكرار الإدانات على البعثات الدبلوماسية في إيران ، ما استدعى خروج الوزراء المعنيين إلى الخارج لإجراء الاتصالات بمرجعياتهم السياسية وأخرى مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري لوضع اللمسات الأخيرة على البيان ليبنى على الشيء مقتضاه. وفي النهاية حظي البيان الذي توصل لصيغة تضمن الإجماع العربي في القضايا المشتركة، بموافقة كل الوزراء بمن فيهم وزيرا الحزب التقدمي الاشتراكي اكرم شهيب وائل ابو فاعور الذي اشترك بصياغة البيان، لم يعترض احد على الصيغة النهائية باستثناء الوزير نهاد المشنوق الذي تحفّظ على عبارة تربط بين الإجماع العربي والوحدة الوطنية، لكنه قال «إنني لن أعطل القرار».
أكد رئيس الحكومة تمام سلام «تمسك الحكومة بما ورد في البيان الوزاري لحكومة المصلحة الوطنية»، وقال: «علينا في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها المنطقة أن نقلل خسائرنا فنلتزم سياسة النأي بالنفس كي لا نعرّض بلدنا للخطر».
وعبر سلام عن إدانته واستنكاره بشدة ما تعرّضت له سفارة المملكة العربية السعودية في إيران وما هو متعارض مع المواثيق الدولية ومع كل الاتفاقات ومع كل ما يحمي البعثات الدولية في الدول الأخرى، ونشدد على ذلك ونؤكده.
ولفت سلام إلى أن «مجلس الوزراء تمنّى على رئيسه إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري».
وشدّدت مصادر وزارية لـ«البناء» على أن البيان هو رسالة حسن نية ومودة للسعودية، كاشفة أن سلام سيشكل وفداً وزارياً إلى السعودية من كل الأطراف بمن فيهم التيار الوطني الحر، بعد أن يتواصل مع القيادة السعودية ويلتمس إشارة إيجابية لاستقبال الوفد.
وأكدت المصادر رداً على قول الوزير وائل ابو فاعور «أن صياغة البيان لا ترضينا، فلا يحق لأي وزير أن ينتقد البيان الذي صدر عن الحكومة طالما كل منا وافق عليه وصدر بالإجماع وأي موقف مخالف لمضمونه هو للمزايدة السياسية التي لا تخدم مصلحة لبنان».
فنيش: لا يزايدنّ أحد علينا في العروبة
وبحسب ما علمت «البناء» فإن وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش قال في الجلسة: لا يزايدنّ أحد علينا في العروبة، فنحن مَن واجه إسرائيل وحرّر الأرض ودعم المقاومة في فلسطين، فالعروبة هي ضد المستعمر والقوى المستكبرة والعروبة تكمن في معركة تحرير فلسطين، وفي وقف دعم وتمويل الإرهاب في سورية». وتابع: هناك من يريد أن يحول الصراع مع إسرائيل إلى صراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لم تعتد على أية دولة على عكس المملكة العربية السعودية التي هي في حالة مواجهة مع الشعوب في سورية والعراق واليمن». وتابع «إن موقفنا الأخلاقي والإنساني هو إلى جانب الشعوب المقهورة والتي تتعرض للعدوان، ولذلك لن نوافق على أي إجماع عربي من دون أن نعلم ما هو المضمون».
وقال فنيش في حديث لـ«البناء»: نحن مع البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء ونؤيده»، مشيراً رداً على سؤال عن كلام الحريري «إن أي إهانة توجّه إلى السعودية ودول الخليج العربي سنردّها إلى أصحابها»، إلى «أن حقنا بالتعبير عن رأينا هو دستوري، وسنُبدي موقفنا من أي مسألة، بحسب رؤيتنا لمصلحة البلد».
قزي: لم نُسِئ إلى السعودية لنعتذر
وأكد وزير العمل سجعان قزي خلال الجلسة، بحسب ما علمت «البناء»، أن الأجواء الموجودة خلافاً للإعلام تؤكد ان كلنا كأطراف سياسية ليس لدينا الرغبة في التصعيد، وبالتالي فإن جلسة مجلس الوزراء أمس لن تغير في المواقف الاستراتيجية، لكن بإمكاننا الوصول إلى بيان تسووي من شأنه إنقاذ العلاقات اللبنانية السعودية من دون اعتذار». وقال قزي: نحن كحزب كتائب لم نسئ إلى السعودية لكي نعتذر والحكومة أيضاً، وإذا كان حزب الله تهجم عليها، فله الحرية في الاعتذار من عدمه». وتابع نحن بحاجة إلى أفضل العلاقات معها بعيداً عن الاصطفافات بين 8 و14 آذار، لأن العلاقة معها علاقة تتعلق بمصير 300 ألف لبناني موجودين في الرياض والبيان الذي صدر عن 14 آذار الذي كان سقفه منخفضاً يسمح لنا إصدار بيان مقبول من دون أن يزايدنّ احد علينا.
وأشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» إلى «أن البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء أكد الحرص على العلاقة مع السعودية وإشادة بدورها الداعم للبنان على الدوام وبتاريخ العلاقة بين البلدين. الرئيس سلام أدان في السابق التعرض للسعودية وكرٍّر إدانته امس»، معرباً عن اعتقاده بأن «البيان كافٍ ومن غير المطلوب القول إن مواقف الوزير جبران باسيل الخارجية هي التي تسببت بذلك وليس المطلوب أن نتجه إلى التصويت داخل المجلس، لأن إصدار هذا البيان بالإجماع أفضل من بيان يخرج بالتصويت، لأننا لسنا بصدد تصفية الحسابات السياسية داخل المجلس».
وبالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء، أكد مجلس الوزراء السعودي وقف مساعدات المملكة العسكرية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، معرباً عن أسفه «لمواقف حزب الله السياسية»، معتبراً أنها «لا تراعي مصالح البلدين»، زاعماً أنه «يمارس الإرهاب بحق الأمة».
البيان لا يلزم حزب الله بشيء
وقالت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» إنه «على رغم موافقة وزراء حزب الله على بيان الحكومة، غير أنه لا يلزم الحزب بأي شيء ولن يمنع قادة الحزب ومسؤوليه وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصرالله من التعبير عن مواقفهم السياسية ضد سياسة السعودية في المنطقة، وكشف ما تقوم به في الإعلام، كما أن هذا البيان لا يغير من المعادلات في لبنان والإقليم، بل الأهم هو ما يجري في الميدان السوري».
واستغربت المصادر «الموقف السعودي المفاجئ ضد لبنان بوقف الهبات، على رغم أن موقف باسيل في الجامعة العربية ومنظمة العمل الإسلامي مرّ عليه نحو شهرين»، موضحاً أن «السعودية تعاني من إرباك وتضعضع في سورية، لذلك تريد نوعاً من الدعم لموقفها وإظهار أن لبنان تحت الجناح السعودي، لكن ذلك لا يصرف في أي مكان».
واستبعدت المصادر أي ترجمة أمنية للمواقف السياسية التصعيدية لـ14 آذار وللرئيس سعد الحريري على الأرض، حيث لا مصلحة للسعودية بذلك وفي ظل عدم رغبة أميركية بعدم تفجير الوضع الأمني في لبنان ولا بإسقاط الحكومة التي تحظى 14 آذار بأغلبية داخلها».
واعتبر رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري بعد زيارته رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ان «وزير الخارجية جبران باسيل لم يكن صادقاً مع رئيس الحكومة تمام سلام».
وفيما أكد الحريري أن الوزير اشرف ريفي «هو صديق وأحب ان يستقبل ويحق له ذلك»، اعتبرت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «كلام الحريري يؤكد التباين والخلاف بينهما»، وتساءلت: كيف يقرر ريفي الاستقالة من تلقاء نفسه وهو أحد الوزراء المحسوبين على كتلة المستقبل؟ ورغم تأكيد ريفي تقديم استقالته إلى سلام نفت المصادر «أن تكون الاستقالة الخطية قد وصلت إلى رئيس الحكومة الذي أبدى انزعاجه من هذه الخطوة».
سياسة النأي بالنفس
وفور انتهاء مجلس الوزراء عقد باسيل مؤتمراً صحافياً وشدد على أن بيان جلسة مجلس الوزراء عبّر عن البيان الوزاري، معتبراً أن الصرخة السياسية المفتعلة هدفها رخيص وداخلي. واعتبر أن هناك مشكلة حقيقية اليوم مع الدول العربية إذا كانت لا تريد أن تتفهم مواقف لبنان، لافتاً إلى أنه عليها أن تحترم خصوصيته.
وقال: «إن الإجحاف الذي نتعرض له هو ثمن ندفعه لتكريس سياسة استقلالية تحييدية للبنان وهناك مواقف لبنانية خرجت عن سياسة النأي بالنفس، ولكن الموقف اللبناني الرسمي لم يخرج عن موقفه الثابت أبداً»، مشدداً على أنه «بين الإجماع العربي والوحدة الوطنية ننحاز إلى الوحدة الوطنية».
وقال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط إثر لقائه الرئيس ميشال سليمان: «لا نريد أن نكون مع محور ضد آخر، ونؤكد سياسة النأي بالنفس».
بري في بروكسل
الى ذلك، وصل الرئيس نبيه بري إلى بروكسيل تلبية لدعوة من البرلمان البلجيكي، لحضور جلسة عامة للبرلمان الأوروبي وجلسة مماثلة للبرلمان البلجيكي. وسيجري مناقشة عامة في لجنة الشؤون الخارجية والبرلمان الأوروبي بمشاركة رؤساء ولجان الشؤون الخارجية في برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إضافة للقاء رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شواتز ومسؤولين أوروبيين آخرين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي كافة.
أمنياً، أوقف الجيش مسؤولاً في داعش يُدعى أحمد أمون في محلة الجمالة في بلدة عرسال، وهو مطلوب بتشكيل العديد من المجموعات الإرهابية وتكليفهم بالأعمال العسكرية بمشاريع القاع وكان شارك في تنفيذ كمين ضد الجيش في خراج بلدة عرسال ومن أهم الأشخاص الذين شاركوا بخطف العسكريين.