هل تمتلك واشنطن الجدِّية الكافية؟

مصطفى حكمت العراقي

بعد أن استمرّت الانتصارات العسكرية الباهرة للجيش السوري وحلفائه على كلّ الجبهات في الأيام القليلة الماضية، خصوصاً في أرياف حمص وحماة ودرعا والقنيطرة، إضافة إلى التقدّم السريع والخاطف في أرياف حلب، وهو ما جعل حلف أعداء سورية يلجأ إلى سلاح من نوع آخر يوصف بأنه سلاح العاجز حيث ظهرت التفجيرات سلاحاً بديلاً من حلف الإرهاب على سورية، إذ استهدفت المجاميع المسلحة المناطق السكنية مجدّداً بضربات مفجعة وبالأخصّ في حمص والسيدة زينب في ريف دمشق، فقد أصبح من المسلمات بأنّ هذه الأعمال تعبّر عن إفلاس الجماعات الإرهابية وعجزها عن تحقيق أيّ تقدّم في الميدان، كذلك محاولة إضعاف صمود المواطنين ومحاولة زرع شرخ جديد في المناطق التي عجز الإرهاب عن إسقاطها عسكرياً.

لهذه العمليات الإجرامية أهداف أمنية وأخرى سياسية، خصوصاً تزامنها مع محاولات روسية أميركية لوقف إطلاق النار في سورية، إذ تلت هذه التفجيرات الإعلان الأميركي الروسي حول وقف مؤقت لإطلاق النار في سورية كمقدّمة لاستئناف محادثات جنيف من جديد مع استمرار التعقيدات التي تقف عائقاً أمام نجاح هذه الخطوة. إذ قال جون كيري وزير الخارجية الاميركي: «توصلنا إلى اتفاق مؤقت من حيث المبدأ على شروط وقف الأعمال العدائية، ومن الممكن أن يبدأ خلال الأيام المقبلة، لكن الأمر لم ينجز بعد حيث ربط كيري نجاح هذا الاتفاق بالاتصال المتوقع حصوله بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين لمناقشة هذا الموضوع.

في المقابل، قالت الخارجية الروسية إنّ الوزير لافروف اتفق مع كيري على ضرورة إنشاء آليات للتنسيق العسكري في ما يخصّ وقف العمليات القتالية في سورية باستثناء مكافحة الجماعات الإرهابية التي سيكون تصنيفها من جديد عقدة من العقد… الموقف الروسي يتلاقى مع موقف الرئيس بشار الأسد الذي أعلن أنه مستعدّ لوقف إطلاق النار بشرط ألا يستخدم الإرهابيون وقف القتال لمصلحتهم وأن توقف الدول التي تساند المسلحين دعمها لهم وقال الرئيس الأسد في مقابلة مع صحيفة «الباييس» الإسبانية إنّ أيّ هدنة يجب أن تضمن منع البلدان الأخرى، خصوصاً تركيا من إرسال المزيد من الإرهابيين والأسلحة أو أيّ نوع من الدعم اللوجستي لكنه أشار إلى أنّ المعارك ستستمرّ ضدّ «داعش» و»جبهة النصرة» والتنظيمات أو المجموعات الإرهابية الأخرى التي تنتمي للقاعدة، ومنها أحرار الشام وجيش الإسلام، وأعلن الرئيس الأسد أن القوات السورية على وشك السيطرة بالكامل على مدينة حلب وتتقدّم نحو الرقة معقل عصابات داعش الارهابية. أما عوامل نجاح الاتفاق وبحسب مصدر رسمي روسي قال إنّ لافروف أبلغ كيري أنه يجب في أي اتفاقية لوقف إطلاق النار التنسيق مباشرة مع إيران وحزب الله كطرفين فاعلين على الأرض. وهو ما يفسّر الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى طهران حاملاً رسالة خاصة من الرئيس فلاديمير بوتين إلى نظيره الإيراني الرئيس حسن روحاني. إذ قدّم شويغو شرحاً للرئيس روحاني عن آخر المستجدات في المنطقة ومحادثات كيري لافروف بشأن وقف إطلاق النار في سورية.

أصداء المحادثات الأخيرة بين كيري ولافروف كانت أيضاً محلّ اهتمام عالمي فصحيفة «واشنطن بوست» اعتبرت أنّ روسيا أثبتت مرة أخرى أنها أكثر قدرة من الولايات المتحدة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية، مؤكدة أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تتناسى عداء الحرب الباردة وأن تضع يدها بيد روسيا وأفضل مكان للبدء بذلك هو سورية.

وأقرّت الصحيفة بأن السياسة الأميركية تجاه سورية لم تكن سليمةً على مدى السنوات الخمس الماضية، مضيفة أنّ روسيا التي عانت هجمات إرهابية متكرّرة قام بها متطرفون إسلاميون تشعر بالتهديد الذي يمكن أن تتعرّض له من التنظيمات الإرهابية التي تنشر الفوضى في أنحاء سورية كما ينبغي على واشنطن أن تتخذ السياسة الروسية مثالاً لها بحيث تتعاون مع موسكو على ضمان استمرار الحكومة السورية، محذرة في الوقت ذاته من مغبة استمرار التلاعب بالاستقرار في سورية لئلا تكون ملاذاً للإرهابيين لأنّ ذلك سيئ للولايات المتحدة ذاتها، وترى الصحيفة أنه ينبغي على الولايات المتحدة إدراك أهمية هذا الاهتمام المشترك والعمل مع الدول التي تسعى للحيلولة دون وقوع تلك المحاذير أما الصحف الأوروبية فقد أولت اهتماماً بتفجيرات حمص والسيدة زينب ودعت إلى تبني اتفاق وقف إطلاق النار والسعي إلى تطبيقه… أنّ رغبة الإدارة الأميركية وسعيها الحثيث لتطبيق وقف إطلاق النار يحمل نوايا مبيتة من إدارة أوباما لوقف مؤقت لتدحرج العمليات الروسية السورية التي حققت الكثير من الانتصارات في فترة زمنية قصيرة، أما مسار عمليات المجاميع الإرهابية في حمص وريف دمشق فيوحي بأنّ إقرار هذه المجاميع بالهزيمة التي قرت بها واشنطن أمر مستبعد الان، فواشنطن التي تسعى إلى عقد اتفاق هدنة مع الدولة السورية وهو ما يشكل اعترافاً صريحاً بشرعية النظام السوري الذي أنكرته واشنطن لسنوات عدة وهذا ما لم يستطع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة الاقتناع به لحد الآن وبالأخص تركيا والسعودية اللذين تبجحا كثيراً في الأيام الماضية بقرب توغلهما البري في سورية، وهو ما استدعى لجماً للأفواه من قبل سيدهم الأميركي الذي أبلغهم بأن الولايات المتحدة لن تدعم أي عمل بري في سورية طوعاً وليس اختياراً، ما أدّى إلى تفعيل قسم الأعمال الانتحارية الإجرامية في مركز التنسيق المشترك بين الرياض وأنقرة للقيام بأعمال إرهابية وهو ما حصل مؤخراً لجهة القول بأنّ الردّ السعودي التركي على خذلان واشنطن لهم سيكون تحريكاً لخلاياهم الانتحارية في سورية التي ازداد نشاطها في الأيام القليلة الماضية.

أما الإجراءات اللازمة لمنع هذا النوع من الأعمال فلا يقلّ أهمية عن العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب فإيقاف الانتهاكات المستمرة أو تقليلها ممكن جداً لمنع محاولات الإرهاب سرقة فرحة النصر المتحقق. إن مدى نجاح اتفاق الهدنة أو فشله بعتمد بشكل كبير على إمكانية واشنطن من التأثير على حلفائها الداعمين للإرهاب لوقف هذا الدعم الذي اعتبرته دمشق وموسكو أساساً لأي اتفاق مقبل فلا وقت يضيع على الاتفاقات الشكلية والصورية وأن لم تتمكن واشنطن من تقديم شيء جديد لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار فمسار العمليات العسكرية ضد الإرهاب مستمر وبوتيرة متسارعة جداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى