لبنان ـ التعاون الخليجي ومفهوم السيادة الملتبس!

محمد ح. الحاج

الهبة السعودية ليست بنت يومها، هي قديمة من زمن الملك عبد الله، وقد كانت الغاية منها استمالة الجيش اللبناني والعمل على تغيير عقيدته القتالية واستبدال أولوياته، وقد جاءت بعد مرور زمن على بدء أحداث سورية العدوان الدولي على الشرعية السورية حيث كانت السعودية رأس الدول الداعمة له، مستهدفة وضع اليد على الدولة السورية، وإقامة نظام تابع يحقق مشاريعها ويلتزم تعهّداتها تجاه الغرب والصهيو ماسونية العالمية، وما كان ذلك خافياً لأنّ حكام السعودية أعلنوا ذلك صراحة، وكانت نواياهم مبيّتة منذ الهزيمة الصهيونية في لبنان عام 2006، وبعدها الهزيمة في غزة مطلع العام 2010.

رشوة لم تنجح

السعودية التي أعلنت أنّ سلوك المقاومة الوطنية اللبنانية في مواجهة العدو الصهيوني «مغامرة»…! وهو موقف ينسجم مع التزام العائلة السعودية بأمن وحماية المشروع الصهيوني، أما سورية فقد كانت الداعم والرافعة التي دفعت بالمقاومة في لبنان ومثيلتها في فلسطين إلى تحقيق الصمود، بل، وهزيمة العدوان الصهيوني، وهذا ما اعترفت به الدوائر الصهيونية في حينه، بعدها حققت المقاومة الوطنية اللبنانية معادلة توازن الرعب مع العدو أدّى إلى لجم اعتداءاته المتكرّرة وحمى لبنان… وقد انحاز جيش لبنان إلى مقاومته ومصالحه الوطنية.

الهبة السعودية التي أعلنها الملك عبد الله رمت إلى تحقيق غايات جرى حسابها أهمّها الوقيعة بين الجيش اللبناني والمقاومة، وفي حدّ أدنى تحييده، فلا يقف إلى جانب المقاومة ويتغاضى عن سلوك الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تدعمها السعودية، والتي تمّ الدفع بها إلى الساحة السورية مبكّراً منذ العام 2011، والتي شاركت في معارك القصيْر حمص الحصن والحولة وفي مناطق أخرى أهمّها القلمون معلولا الزبداني والتي سقط فيها أعداد كبيرة من هؤلاء تملأ صورهم ساحات وجدران بعض المدن والبلدات اللبنانية مذيّلة بعبارة… «شهداء الغدر»! وكأنّ الجيش السوري دخل تلك البلدات والمدن واغتالهم دون ذنب ودون أن يكونوا مسلحين!

الهبة التي مضى على الوعد بها سنوات لو صرفت، لذهب ثلثها عمولات لتجار وسماسرة السلاح بدءاً من أمراء السعودية وصولاً إلى الأتباع في لبنان والسماسرة في فرنسا، لكن وللحقيقة يعلم الخبراء والمختصّون في الجيش اللبناني ودوائر الأمن أنّ ما تمّ توريده لا يدخل في باب التسليح الفعلي بقدر ما يشكل أدوات ومعدات ثانوية وبعض الذخائر الخفيفة والمتوسطة وبضع عشرات من الصواريخ المحمولة، ولا تتجاوز قيمة الواردات بضع مئات من ملايين الدولارات بانتظار حصول تبدّلات في موقف الجيش اللبناني، وكانت المماطلة في الطلب من الحكومة الفرنسية لشحن ما تمّ التعاقد عليه، أو تسديد قيمة الهبة أو تحويلها إلى حساب الجيش، ولأنّ الغاية منها أبعد ما تكون عن تقوية الجيش في مواجهة العدو الأساس الصهيوني فقد بقيت في عالم الوعد أشبه بجزرة يتمّ التلويح بها، وهذا ما أدركته قيادة الجيش التي لم تبدّل موقفها الوطني ولم ترتبط بأية وعود تخدم الأهداف والمشاريع السعودية رغم محاولات وضغوط الرئيس السابق ميشال سليمان ومعه تيار المستقبل وحلفاؤه في ما يسمّى 14 آذار.

عن أيّ تضامن عربي تتحدثون…؟

ذريعة سحب الهبة السعودية «خروج لبنان على التضامن العربي» واهية وساقطة، وتدفع إلى سؤال وجيه: أين هو التضامن العربي وضد من؟ هل هو التضامن الذي دمّر العراق وليبيا أو مزّق السودان، أم الذي يمزق اليمن، وهل يكون التضامن محققاً بغياب سورية الدولة المؤسسة للجامعة العربية، بالأحرى المنظمة العاملة على تفريخ دول جديدة وإسقاط حق الفلسطينيين؟ أم هو تضامن مجلس التعاون الخليجي بزعامة السعودية لتكريس «يهودية دولة إسرائيل» وضمها إلى «جامعتهم» التزاماً بوعد حماية اليهود «المساكين» حتى تصيح الساعة…؟ وماذا عن الطرح الجديد الذي يستبدل دولة إسلامية جارة تحمل لواء الحق العربي في فلسطين لتصبح العدو الأول بدلاً من العدو الفعلي؟ وهل يكون التضامن العربي بشراء مواقف دول مثل مصر إلى حدّ ما والسودان، وبوجود اعتراض عراقي جزائري، وغياب الدولة عن الساحة الليبية، وهل يترتب على لبنان الالتزام بمثل هذا التضامن ضدّ مصالحه الوطنية، ضدّ تركيبته البنوية، ضدّ امتداده العائلي وارتباطه المصيري بالوطن الأمّ سورية…؟

لقد كان جبران باسيل على حق، وموقفه هو الذي شكل صمام الأمان لحماية لبنان وجيش لبنان، واذا كان القول بأنّ المعونة العسكرية المقدّمة في كلّ وقت من سورية للجيش اللبناني أو المعروضة من إيران أو روسيا هي نوع من التبعية والارتهان، وهو موقف مسجل لتيار المستقبل وأغلب تحالف 14 آذار، فإنّ الهبة السعودية جسّدت في حقيقتها محاولة لربط لبنان بتضامن يهدف إلى تدمير المصالح اللبنانية والوقيعة بين مركباته الاجتماعية، ولا يتفق مع الشعار المتداول افتراء أيّ «النأي بالنفس».

السعودية هي القدوة في العدوان على سيادة الغير!

رأس تيار 14 آذار… السنيورة يرفع شعاراً تقول به السعودية وهو رفض العدوان على سيادة أيّ من الدول العربية! ويطالب بانسحاب حزب الله من الصراع في سورية! هل تحافظ السعودية على سيادة الدول العربية بمواقفها المعروفة والممالئة للعدو الصهيوني على حساب الحقوق السورية والفلسطينية واللبنانية، أم باحتلالها البحرين أم بهجومها على اليمن، وقبل ذلك تمويلها الهجوم على العراق وبعده ليبيا وسورية؟ وهل هذا هو المفهوم السعودي لاحترام سيادة الدول أم أنّ المفهوم قاصر عند حدود توصيف الدعم الإيراني لمقاومة لبنان وفلسطين وصمود سورية ومنع التحاق اليمن بالمشروع الصهيو ماسوني لضمان حرية ملاحة العدو في مضائق تيران وباب المندب؟

حقيقة الهبة السعودية أنها جاءت بعد طرح تجريد حزب الله من السلاح وتسليمه للجيش اللبناني الذي يمكن عن طريق الهبة السيطرة على قيادته وتغيير عقيدته، ودفع الأتباع من تيار 14 آذار إلى قمة الهرم والسيطرة على الدولة، لكن، ولأنّ قيادة المقاومة أدركت أبعاد اللعبة ومعها القيادات الأخرى إضافة إلى القيادتين السورية والإيرانية، وأنّ الغاية السعودية في المحصلة هي حماية المشروع الصهيوني، وهي هنا تصدّت للمشروع وانخرطت في عملية الدفاع عن نفسها وعن شرعية الدولة التي أمّنت للمقاومة سبل الدعم والصمود، وفي قراءة لاحقة وجدت المقاومة نفسها قد تأخرت بذلك علماً أنّ أتباع السعودية وحلفها كانوا من أوائل المنخرطين في العمليات الهادفة إلى تقويض الدولة السورية والقضاء على المقاومة من جذورها، ولا يمكن نسيان موقف السنيورة الذي كان على رأس الحكومة التي طالبت أميركا والعدو الصهيوني بعدم وقف العدوان حتى القضاء على المقاومة، فهل كان ذلك الموقف خدمة لمصالح لبنان والتضامن العربي «الخليجي الصهيوني» أم ضدّ تلك المصالح؟

الهبة السعودية ليست خسارة أبداً، فالجيش اللبناني لم ولن يرهن قراره حتى لسورية التي لم تقصّر في دعمه وتزويده بما يحتاج وقت الشدّة، ويكفي سورية أنّ هذا الجيش يواجه عدواً مشتركاً لتدعم صموده، ولم تطالبه يوماً بالوقوف ضدّ بلد شقيق كما تطلب السعودية اليوم، لا مصلحة للبنان في المشاركة بموقف ضدّ اليمن ولا العراق أو سورية، كما لا مصلحة له في إعلان العداء لدولة مثل إيران لا تربطه بها حدود مشتركة ولا أطماع لها فيه، الجيش اللبناني يمكنه قبول المساعدة غير المشروطة من أية دولة غايتها المساعدة لدعم صموده في وجه العدو الحقيقي، هذه عقيدته ويجب الحفاظ عليها، ولبنان اليوم هو الأقوى بثلاثيته «الجيش والشعب والمقاومة» ولم تعلن المقاومة اللبنانية ولا الفلسطينية عداءهما لأية دولة عربية، لكن الواجب أن لا تكون هذه المقاومات أداة بيد دولة شقيقة ضدّ أخرى…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى