غزّة مقبلة على كارثة

هاني جودة

كارثة مقدّمة على قطاع غزة بفعل ما تتركه الهجمات العسكرية لقوات الاحتلال. معاناة المواطن الغزي تزداد بوتيرة شديدة إذ لا أحد من أدعياء العالم الحرّ استجاب لصرخات مليوني محاصر في غزة تنفذ إسرائيل ضدّهم إبادة جماعية منظمة، وترسل بيانات الإخلاء لأحياء يبلغ متوسط عدد سكانها سبعين ألفاً. هدّدت الشجاعية بإبادة كاملة وتعمل بآلة المضلل النازي أفيخاي أدرعي على إجلاء بيت لاهيا. أشلاء متناثرة لأطفال ونساء وشيوخ، مستشفيات تعجّ بالشهداء والجرحى وجميع الإصابات من المدنيين الآمنين، بيوت تطبق على ساكنيها ورمال تدفن البشر تحت الركام وهم أحياء، رسالة استغاثة لمن كان له قلب وبقايا ضمير وثنايا نخوة: شعبنا يقتل، وتدمّر علينا منازلنا، وأطفالنا يقطّعون، ونساؤنا يُرمّلن ويبكين بأنهار الدمع، شعبنا يموت، شعبنا يجوع، أطفالنا الأحياء يرتعشون خوفاً، وصاروخ المحتلّ يهز حيّاً بأكمله. تتساقط كرات اللهب على شعبي ليل نهار. تتناثر أشلاء أبنائنا في الفضاء بلا رحمة. مزقت أجسادنا ويتوعّدنا المحتلّ النازي بالمزيد. تفوح رائحة الفوسفور وجميع المواد السامة التي يطلقها المحتلّ بغزارة. شعبي الآن لا ينتمي إلى البشرية فلقد عزله المحتلّ عن العالم. قصفت مستشفياتنا وقصفت منازلنا ولا نعلم أين نذهب. هل تفتحون لنا الحدود إلى عالم آخر؟ هل تشفقون علينا؟ أم لا تزال الخطيئة ملصقة بنا وعلينا تقديم ضرائب جديدة. لا تغيثوا شعبي بل ارحموه. لا تكونوا معنا لكن كونوا بيننا. لا نريد مالكم بل نريد رجالكم ومواقفكم.

صرخات كثيرة لو فُتحت قلوب لوجدت آلاماً معجونة بالدماء والقهر، لذا فإن حجم الآلام التي يتعرّض لها شعبنا في غزة يتطلب وقفة صادقة ومسؤولة من الجميع لوقف الزيف لوقف العدوان والمجازر ويتطلب موقفاً عربياً إنسانياً وحدويّاً لوقف النزيف ومنع تكراره.

لعل الصحافيين «الإسرائيليين» يعرفون أكثر من حكام الكيان الغاصب أنّ الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده اختنق من القهر والفقر والبطالة والاحتلال والاعتقالات والمستوطنات، ويدركون أنّ القادم أخطر، وأنّ الأمور لن تقف عند هذا الحدّ. معدلات البطالة تتزايد، ففي غزة 130 ألف خريج جامعي عاطل عن العمل، وكلّ من كان يعمل داخل الأراضي المحتلة عام 48 عاطل عن العمل. بيوت لا يسترها سوى الحيطان، حتى الموظّفون الذين يتلقون راتبهم من السلطة أغلقت أمامهم البنوك بسبب خلافات داخلية في غزة. هذه العقدة تتجدّد شهرياً. ليس في غزة اقتصاد ثابت ولا مصانع كبرى ولا مواد خام إنتاجية. عدد المتسوّلين يتزايد… تفاجأ بأن يطرق باب بيتك يومياً ثلاثة متسوّلين معدّلاً عاماً، وعندما يأتي هذا الاعتداء «الإسرائيلي» على قطاع غزة لا يجد أبناء القطاع شيئاً يخسرونه سوى أرواحهم ودمائهم التي اعتادوا أن يقدموها دوماً فداء للوطن.

مئات المنازل هُدّمت إذ تعرّضت 570 وحدة سكنية في قطاع غزة للدمار بشكل كامل مذ شنّت «إسرائيل» العملية العسكرية البربرية. إلى خسائر الشركات الفلسطينية المتواضعة وخسائر البنوك. كارثة اقتصادية محققة تنتظر غزة. الإنفاق الحكومي الآتي من السلطة عصب وشريان الحراك الاقتصادي، إذ تدفع السلطة رواتب الشؤون الاجتماعية وأسر الشهداء والجرحى والمتقاعدين والموظفين في الشقين المدني والعسكري، وهناك أيضاً رواتب الموظفين وعقود وكالة الغوث في غزة التي تقدر بـ14 ألف مستفيد، ورواتب لعناصر فصائل المقاومة. هذا اقتصاد غزة الذي يقام على الراتب فحسب، وطالما لم تدفع هذه الرواتب ستجد أسواقاً خالية ومحلات تجارية فارغة من الزبائن. حتى الآن، ثمة إشكالية تسمّى عقدة الراتب الشهري تتكرّر شهرياً بمنع جميع المستفيدين من راتب السلطة من نيله بسبب خلافات سياسية فلسطينية. جميع هذه الحوادث تمثل مقدمة لكارثة اقتصادية حقيقية.

من أين ستأتي الكارثة أولاً؟

حرب المدفعية التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في الثمانينات وكانت متمركزة في لبنان استمرّت لسنوات، واستطاع الفلسطيني للمرة الأولى إنزال المحتلّ «الإسرائيلي» إلى الملاجئ، بل أجبره على الرحيل والهرب خوفاً من صواريخ الكاتيوشا الفلسطينية التي انهمرت على شمال فلسطين المحتلة بغزارة بعدها اجتاحت قوات الاحتلال لبنان مدعومة من قوى الإرهاب العالمي وطردت المقاومة الفلسطينية بالقوة. المقاومة في غزة اليوم، ونحن في عام 2014، استطاعت المقاومة قصف «تل أبيب» وحيفا وجميع مدن الاحتلال ومستوطناته وتجمعاته. ومنذ حرب عام 2012 طوّرت المقاومة الفلسطينية قدراتها، ورأينا كيف هرب أكثر من أربعة ملايين «إسرائيلي» إلى الملاجئ. ارتكبت قوات الاحتلال حماقات ومجازر أبرزها مجزرة عائلة البطش التي استشهد منها ثمانية عشر شخصاً من العائلة نفسها.

كارثتان حقيقيتان تتهدّدان مستقبل الشعب الفلسطيني، فأيهما تنفجر أولاً؟ الأرجح أن تنفجرا في آن واحد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى