انعكاس سجال المالكي ـ البارزاني على الوضع العسكريّ
حميدي العبدالله
تصاعد السجال بين رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، وانتقل من الخلاف السياسي إلى المهاترات، إذ تبادل الطرفان الاتهامات بالتواطؤ مع «داعش» ومع البعثيين. وأدى تصاعد التوتر بين الجانبين إلى إقدام الأكراد على خطوتين خطيرتين ستكون لهما آثار وتداعيات في وحدة العراق، وفي وجود حكومة مركزية قادرة على حشد الدعم السياسي الوطني المطلوب لإلحاق الهزيمة بـ«داعش» وشركائه. الخطوة الأولى تمثلت في سحب الوزراء الأكراد من الحكومة المركزية، والخطوة الثانية، استيلاء الأكراد على حقول النفط في كركوك.
تصاعد الصراع إلى حدّ دفع البارزاني إلى مطالبة التحالف الوطني علناً بتسمية رئيس للحكومة الجديدة غير المالكي، ما سيدفع التحالف إلى التمسك بالمالكي حتى وإن لم يكن ذلك أساساً خياره، على الأقل كي لا يعطي البارزاني فرصة أن يكون هو من يسمّي رئيس الحكومة المركزية والوصي الأعلى على جميع العراقيين، وحتى لو لم يكن ذلك سلوك أطراف التحالف الوطني المنافسة للمالكي، فإنه وضعهم في وضع صعب وباتت معركتهم لإبعاد المالكي أصعب مما كانت عليه قبل صدور تصريحات البارزاني هذه. لكن الانعكاس الأخطر لهذه السجالات هو الانعكاس العسكري، أي تأثير تصاعد هذا السجال في العملية العسكرية لاستعادة المناطق التي انتشر فيها تنظيم «داعش».
صحيح أنّ الفتاوى التي صدرت من المرجع الأعلى علي السيستاني، ومن مراجع سنية، ساهمت في خلق تعبئة شعبية واسعة النطاق، إذ يتدفق الآن إلى معسكرات الجيش مئات ألوف المتطوّعين، لكن في غياب حكومة عراقية مركزية تضمّ جميع ألوان الطيف السياسي العراقي، فإنّ الصراع سوف يبدو كأنّه صراع مذهبي بين السنة والشيعة، وليس صراعاً بين غالبية العراقيين، وبين «داعش» وشركائه الذين يحظون بتأييد بعض الفئات الشعبية، بيد أنّه تأييد لا يرقى إلى مستوى الانقسام الوطني.
فاستمرار السجال، فضلاً عن أنه يخلق جبهات إضافية، ويبدّد قدرات جميع الأطراف المعنية باستعادة المناطق التي سيطرت عليها «داعش» وجهودها، فإنه يحرم القوات المسلحة الغطاء الوطني الذي يوفر لها الدافع لخوض صراع فاعل وناجح ضدّ الجماعات المسلحة التي سيطرت على محافظة نينوى وأجزاء واسعة من محافظات صلاح الدين وديالى وكركوك، فضلاً عن نفوذها الواسع في محافظة الأنبار.
إذا استمرّ السجال وتأخر تشكيل حكومة تعبّر عن إرادة غالبية العراقيين وتوافر الغطاء السياسي للجيش، فإنّ الرهان على استعادة المناطق التي سيطرت عليها «داعش» هو في غير محله، بل الأخطر أن يقود تصاعد الصراع مع «داعش» في مثل هذا الواقع إلى تصاعد نار الفتنة وتجذّر واقع تقسيم الأمر الواقع القائم الآن، وامتداده سنوات طويلة.