فوضى الدم.. مربط سايكس بيكو 2
نظام مارديني
يبدو ان خطط التقسيم ومراحل التقسيم، وخفايا تقسيم العراق التي لوّح بها نائب الرئيس الاميركي جو بايدن سابقاً، وتقسيم سورية التي لوّح بها أيضاً وزير الخارجية جون كيري الذي هدد بالأمس بخطة بديلة لحل المسألة السورية، هو ما لاقى رداً من قبل دمشق باعتبار تصريحات كيري تجافي الواقع وتأتي في سياق التضليل لإخفاء مسؤولية بلاده في ما تتعرض له سورية من جرائم المجموعات الإرهابية، مؤكدة التصميم على المضي في دحر الإرهاب.
وبين التلويحين، بانت في الأفق خطة التقسيم، بحيث بدأت تأخذ طريقها بشكل محسوس وملموس، بعدما جعلوا أطياف الشعب وألوانه في كل من العراق وسورية جماعات ومجتمعات تعيش في فضاء جغرافي سياسي وليس في فضاء اجتماعي وأخلاقي ضمن مجتمع واحد، وذلك في محاولة الى إفقاد الدولتين سورهما القومي، ودفع نسيجهما الوطني للبحث عن أسوار وخنادق وهمية أخرى.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن المراقبين: هل جاء تصريح كيري في سياق تنفيذ خطة تقسيم سورية؟
لا شك في أن هذا التصريح لم يكن كلمة عابرة، كما قالها عراب السياسة الأميركية خلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، أول أمس، والتي تحدّث فيها علانية وبشكل واضح وصريح عن تقسيم سورية، حيث قال: «إنه ربما يكون من الصعب إبقاء سورية موحّدة إذا استغرق إنهاء القتال هناك مدة أطول»، فأمثاله من منفذي الخطط الشيطانية ضد الأمة السورية لا يمكن أن يتحدثوا عن شيء كهذا إلا بعد أن تكون خطة التنفيذ جاهزة ومكتملة ومعدّة مسبقاً، وقد تم الكشف عن تفاصيلها في 28 ايلول 2013، في صحيفة نيويورك تايمز الاميركية خريطة، لخمسة بلدان في المنطقة، قالت إنها ستصبح أربع عشرة في التقسيم الجديد للشرق الاوسط. وها هي كواليس/ تسريبات من واشنطن تقول: «داعش» خالدٌ أبداً إذا لم تسمحوا لنا بتقسيم البلاد وأنتم بانتظار حروب أهلية جديدة!
نعم..، لم تكن مسألة تقسيم سورية – والعراق خفية أو غير معلومة قبل وبعد انطلاق ما يُسمى بـ «الربيع العربي»، فمشروع الشرق الأوسط الجديد ومخطط تقسيم الهلال الخصيب إلى كانتونات ودويلات على أساس طائفي وعرقي هذه المرّة مشروع قديم فقد تم تكليف المستشرق الأميركي ـ اليهودي العقيدة، «برنارد لويس»، رسمياً بوضع مشروع تفكيك الهلال الخصيب منذ العام 1980 من قبل «البنتاغون» وتمّ اعتماد المشروع المقدم للكونغرس الأميركي بشكل رسمي وبالإجماع منذ العام 1983.
وإذا كان خطر اتفاقية سايكس بيكو يكمن في تمزيق هذا الهلال الخصيب وفرطه إلى دول، فإن خطر كيري هو أشد خطورة ويأتي في هذا السياق.
فالهدف هنا تفتيت المفتت وتمزيق الممزق، ناهيك عن تأجيج الصرعات بين تلك الدويلات على أساس طائفي وعرقي خدمة للكيان الصهيوني وتحقيقاً للأطماع الغربية.
والحقيقة أن مَن يدقق في أسلوب وطريقة تعامل الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً مع «سوراقيا» يدرك جيداً أن فكرة التقسيم كانت حاضرة منذ الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، بل يوقن أن الغرب عمل جاهداً لتنفيذ خطة التقسيم وإزالة كل العراقيل من طريقها، وجاء ما يُسمى بـ «الربيع العربي» في هذا السياق. وقد تناقلت مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية صوراً لخرائط ووثائق تقول إن ما يجري في المنطقة ينذر بتحول جذري لحدود الشرق الأوسط سيلغي حدود معاهدة سايكس بيكو ويرسم بالدم حدوداً جديدة، بما يتّفق مع المصالح الأميركية والقوى الكبرى، ويلبي حاجتها المتصاعدة لمصادر الطاقة.
سؤال جوهري طرحه الباحث الأميركي نيك دانفورث، في تحليل نشرته مجلة «السياسة الدولية» Forgien Policy إنه على مدى السنوات الخمس الأخيرة حين تحوّلت سورية إلى إقطاعيات متحاربة والعراق يكافح من أجل الخروج من حربه الأهلية الكارثية، كان المراقبون الأميركيون يعدّدون الإخفاقات الكثيرة لمعاهدة سايكس بيكو التي بُني عليها نظام الدولة في هذه المنطقة، ويسرّبون، عبر وسائل الإعلام والشبكات العنكبوتية تقارير، تبدو في ظاهرها غير رسمية، تتحدّث عن نهاية هذه المعاهدة 1916 التي قسّمت الولايات العثمانية في العالم العربي إلى «مناطق نفوذ» بريطانية وفرنسية، وهو ما وضع الأساس للحدود المعاصرة في المنطقة.
الحديث عن إعادة تقسيم المنطقة وصياغة «سايكس بيكو» جديدة، ظهرت منذ الغزو الأميركي للعراق وحديث إدارة جورج بوش الابن عن مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي ظهر كمصطلح في حزيران 2006، وقد جاء على لسان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس. وقد أدرج المراقبون والمختصّون في الشؤون الدولية والاستراتيجية الأحداث أو الفوضى التي تعيش المنطقة على وقعها، خصوصاً منذ اندلاع «الربيع العربي»، كجزء من هذا المشروع الذي ظهر بعد التورّط الأميركي في افغانستان ونشأة حركة طالبان ثمّ تنظيم القاعدة، ثم تجلّت ملامحه الفعلية خلال الحرب الأميركية في العراق.
وقالت روبن رايت، الباحثة الأميركية المختصة في شؤون الشرق الأوسط، في تحليلها لما جاء في خارطة «إعادة تشكيل الشرق الأوسط» أنه سوف تنشأ دولة الأكراد شمال العراق، ولم تستبعد نشأة دولة علوية على منوال «كردستان» نفسه، وتخيّلت في مقالها المنشور في «نيويورك تايمز» أنه سيتم دمج المناطق السنية في العراق وسورية بدولة واحدة. وفي جنوب العراق تنشأ دولة شيعية، فيما تنشأ دولة جديدة غرب جنوب سورية تسمى «جبل الدروز».
وكما ظهر عبد الحليم خدام على القناة الإسرائيلية الثانية، ظهر المرشد العام للإخوان المسلمين في سورية على القناة نفسها، وانتهى مشروع جديد.
في الختام، ها هي «داعش» ترسم في العراق وسورية «حدود الدم» الأميركية، فهل نتذكر مشروع «الياسمينة الزرقاء»: خطة تقسيم سورية بالتفاصيل المثيرة، والمشتركين فيها من دول الناتو بما فيهم تركيا وبعض الدول الخليجية بقيادة أميركية؟