اليوم الاستثنائي في المشهد السوري…
سعدالله الخليل
نعم خرج اتفاق وقف إطلاق النار إلى العلن وربما ساعات قليلة تفصلنا عن أول فرصة حقيقية ليتنفّس السوريون الصعداء بإمكانية الأمل بحدوث انفراجات في المشهد السوري، ولو على الورق أو في النوايا والجهود التي تبذل في سبيل الحدّ من النزيف السوري الذي طال مداه على الأرض السورية، بالتزامن مع إعلان المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا موعد إطلاق الجولة المقبلة من المحادثات السورية السورية.
أصاب دي ميستورا حين وصف يوم الجمعة بالاستثنائي لاعتبارات عدة أولها أنّ وقف الأعمال العسكرية لن يشمل تنظيمي «جبهة النصرة» و»داعش» وأيّ منظمات إرهابية أخرى كما ورد في نص الاتفاق، وبالرغم مما تحمله العبارة الأخيرة من ضبابية، أعلنت المصادر عن الآليات الواضحة لتحديد تلك التنظيمات الأخرى، فإنّ الخطوة تعدّ الأولى التي تفصل على الأرض مسارات الحرب على الإرهاب عن مسار العمل السياسي لحلّ الأزمة السورية وإنْ حملت هذه الرؤية الكثير من المكاسب لفصائل مقاتلة ارتكبت بحق السوريين مجازر لا تقلّ دموية عما ارتكبه تنظيما «النصرة» و»داعش»، وهو ما كشفت عنه يوميات الحرب المأساوية في سورية والحكومة السورية والإعلام الذي أظهر ممارسات تلك الجماعات بمسمّياتها المختلفة من «الجيش الحرّ» إلى الفصائل الإسلامية المتشدّدة التي أظهرت الوجه الحقيقي للحراك المسلح ووثقته رسائل الدبلوماسية السورية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في أكثر من رسالة، وبالتالي اليوم أمام الجماعات المسلحة الفرصة لإظهار الصورة المقبولة لدى المجتمع الدولي من بوابة قبول الحرب على «داعش» و»النصرة» والتنظيمات الأخرى والانخراط في العملية السياسية المقبلة وتوجيه السلاح إلى جبهة الحرب على التنظيمات الإرهابية ضمن عملية غسيل سمعة ينخرط عبرها قادة المجموعات في العملية السياسية ويتحوّل فيها قادة المحاور إلى السياسة، وهو ما تشهده كلّ الحروب والنزاعات الداخلية في لحظات التسوية، وهو أصعب ما في تلك التسويات ليصبح التحدّي الأكبر أمام السوريين إلى أيّ مدى تستطيع الحياة السياسية الآتية أن تثبتهم كزعماء سياسيين أو تلفظهم بمرور الوقت، من دون أن يغيب عن بال أحد المكاسب المرحلية بتحويل جهة البندقية من وجه السوريين باتجاه الغرباء والتنظيمات الإرهابية، وهذه الرؤية التي أفرزها قرار وقف إطلاق النار بما يندرج تحت رؤية الحكومة السورية بمنطق المصالحات وضرورة تحويل السلاح والاقتتال صوب الغرباء، في حين يتجه السوريون إلى الطاولة بغضّ النظر عن تسمياتها سواء أكانت مفاوضات أم محادثات أم حوار، فما يهمّ السوريين أكل عنب السلام لا الاختلاف حول شخصية الناطور.
في تزامن التوقيت بين إعلان دي ميستورا موعد إطلاق المحادثات السورية ـ السورية مع وقف إطلاق النار دلالات وتأكيد على تلازم المسارين السياسي والحرب على الإرهاب، بحيث يسير مسار ميونيخ مع مسار فيينا، بمعنى وضوح الرؤية بين السياسة والقتال، بما لا يدع مجالاً للالتباس في المسارات وتفقد البروباغندا السعودية التركية قيمتها التي ترمي العمليات العسكرية السورية الروسية بحجارة استهداف المدنيين الأمني وفق السياسة المتبعة في تضليل الرأي العام، فالعمليات ما بعد الجمعة ستكون وجهتها الإرهاب، والحكم والمعيار غرفة العمليات المشتركة ما بين التحالف الأميركي وسلاح الجو الروسي والجيش والطيران السوري، وبالتالي لا مجال لتباكي جبير آل سعود وأوغلو السلطنة العثمانية الجديدة على مدنيين في اعزاز وغيرها من مناطق ثبتت سيطرة «النصرة» عليها، وبالتالي يصبّ الاصطفاء ما بين السياسة والحرب على الإرهاب هو ما ينسجم من جديد مع الرؤية السورية الروسية بضرورة تلازم المسارات السياسية والعسكرية بعيداً عن شعارات استهداف الشعب الآمن وسقوط الشرعية والدخول في الخطط الأميركية البديلة وغيرها من اللغو الذي دأبت دوائر القرار الغربية والإقليمية التي تسير في ركب الحرب على سورية.
صدق دي ميستورا في توصيف اليوم بالاستثنائي بثبات الرؤية السورية في ما تواجهه خلال السنوات الخمس الماضية من إرهاب موصوف دأب أعداؤها على محاولة تجميله لانخراطهم فيه حتى النخاع، واليوم يعودون للاعتراف بصواب رؤيتها من بوابة الأمم المتحدة بعد فشل مخططات إسقاطها.