«شاهدتهم وحدي»… قصص الغرائب والخيال العلمي
«شاهدتهم وحدي»… قصص الغرائب والخيال العلمي
تكتب الروائية والقاصّة العراقية ميسلون هادي في عملها الأخير، بسرد أخّاذ وأحياناً بشعرية جذّابة موحية، قصصاً وروايات قصيرة يمكن أن يراوح وصفها بين القول إنها تقع في مجال القصّ الغرائبي والخيال العلمي، وتورد ذلك بقدرة مميزة على وضع القارئ في أجواء هذه القصص وجعلها بالسرد الشيق تنقله إلى أجوائها.
العمل الأخير لميسلون هادي حمل عنوان «شاهدتهم وحدي… روايات وقصص طويلة للفتيان»، والواقع هو أن ربط هذه القصص بالفتيان ليس حاسماً، إذ إنها تشكل مادة قراءة ممتعة لا يمكن حرمان البالغين وحتى الكهول من التمتع بأجوائها.
وجاء كتاب ميسلون هادي في 280 صفحة متوسطة القطع، وصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمّان، واشتمل على ست قصص وروايات لعل في إيراد عناوينها ما يشير إلى محتوياتها.
القصة الأولى حملت عنوان «الخاتم العجيب»، والثانية «الهجوم الأخير لكوكب العقرب»، وبعدها «سرّ الكائن الغريب»، ثم «الخطأ القاتل»، و«الطائر السحري والنقاط الثلاث»، و«أقراص النسيان».
وتتناول قصة «سرّ الكائن الغريب» التي وردت في ثلاثين صفحة، وقوع سيارة شخص رياضي في حفرة، ولما أقبل الناس والشرطة لإنقاذه وجدوا كائناً غريباً أشبه بذراع ضخمة، فعمَّ الخوف والهلع وحضر العلماء ومنهم العالم «حسن» الذي عرف أنه سحلية كبيرة من النوع المنقرض والوحيد في العالم، تسرّبت من حديقة الحيوانات، وعثروا على أخرى.
وككلّ حدث تقريباً، فقد استغله بعض الناس الأشرار من المشتغلين في السياسة وسرقوا حقناً تسمّى حقن العملقة، أوجدها العلماء وهدد هؤلاء بحقن الفيلة وسائر الحيوانات بها لتصبح عملاقة، وللسيطرة والانتقام، لكن المؤامرة تخفق ويسيطر العلماء والناس الطيبون على الأوضاع.
ولعل قصة «الخطأ القاتل» التي تقع في 51 صفحة من أبرز ما جاء في الكتاب، إذ إنها ـ وبنجاح كبيرـ تضع القارئ في أجوائها الغريبة المحيرة. وخلال قراءتها يختلط على القارئ ـ مع البطلة ـ الوهم بالواقع، ويجد نفسه يتذكر أحجية شوان تزو الشهيرة التي يقول فيها إنه شوان تزو الصيني وقد نام وحلم بأنه فراشة.
والآن لم يعد يعرف إذا كان هو شوان تزو الصيني يحلم بأنه فراشة، أم أنه فراشة تحلم بأنها شوان تزو الصيني.
ويترجح وضع البطلة نحو الوهم القاتل، إذ إنها اكتشفت أنها تعيش في الماضي متأخرة ثلاثين سنة عن التاريخ الحقيقي الذي يعيش فيه الآخرون، وهو سنة 2020.
ورأت البطلة نفسها مع زوجها المصور التلفزيوني في الصحراء في موقع تصوير تلفزيوني وسينمائي لفيلم وثائقي عن الصحراء وحيواناتها والحياة فيها، وذلك في جو من الوحدة والملل. ووجدت نفسها تنظر إلى زوجها في رعب، إذ إنها وجدته قد شاخ بعد أن تركته في اليوم السابق شابا في الخامسة والثلاثين.
كان كلّ شيء يدلّ على العام 2020، بينما هي مصرة على أنها في سنة 1990. حضر طبيب نفسي لمعالجتها فكان رأيه أن المرأة التي قُتل أبوها وأمها في حادث سيارة وكانت هي معهما، أصيبت بنوع من الهرب من الحاضر واللجوء إلى الماضي الحافل بالطمأنينة والدفء.
رأت نفسها تقابل أشخاصاً يبلغونها أن هناك مؤامرة، وأن زوجها يخونها مع امرأة أخرى، وأنه دبر مكيدة للتخلص منها. صارت في وضع سيّئ جداً.
وبعد أن تجد نفسها في المستشفى، تجد ما يدلها على أنها ـ كردّ فعل على مقتل أبويها ـ كانت في غيبوبة، وأن كل ما رأت كان في نطاق تلك الغيبوبة. تنتظر قدوم زوجها الحبيب إلى المستشفى.
وهنا تقول: «ها هو الوهم قد انتهى والواقع يعود من جديد لأرى زوجي الطيب الوسيم قادماً نحوي ليربّت بكفّه الحنون على رأسي ويخفف من حزني… رفعت نظري إليه فهلعت وانكمشت في مكاني على السرير وقلت له من أنت؟ كان هو نفسه الرجل العجوز الذي رأيته في الغيبوبة».