السعودية تصطدم بالحقيقة وتحجب المال عن فريقها…
روزانا رمّال
ثبت ارتباط مواقف الرياض مجتمعة في المنطقة بالأزمتين السورية واليمنية وتداولها مع باقي الملفات بثانوية مطلقة، فالحسابات السعودية تغيّرت تماماً كما تغيّرت الرؤى السياسية لدى الفريق السياسي الحاكم فيها والذي يُعتبر بمجمله حديث التجربة.
باندلاع الأزمة السورية أسّست الرياض على مواقف قادرة على توسيع نفوذها، في حال فاز منطقها الداعم لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى هذا الأساس سُحب الزخم المُفترض من باقي الملفات، فبات ملف لبنان خارج الأولويات العربية أو الخليجية.
سحبت السعودية تدريجياً اهتمامها الرسمي بلبنان، وما يثبت ذلك هو أنها لم تخُض معارك من أجل وصول ممثليها إلى رئاسة الحكومة أبرزهم تيار المستقبل بشخص الرئيس الحريري الذي فضلت أن يتابع الأزمة السورية من خارج البلاد، فالفترة لا تحتمل أقطاباً متنافرة وذلك لإبعاد السعودية عن الدخول المباشر في الحيثيات اللبنانية ويومياتها. في الحسابات السعودية، كان لبنان تحصيلاً حاصلاً يمكن فرض السيطرة عليه بمجرد السيطرة على سورية، وظنت السعودية أنّ هناك وقتاً لهذا التفصيل ففضّلت التروي. لكنّ ذلك لا يعني أنها لم تضع لبنان في جولات من الاشتباك والاحتقان التي كانت تهدف إلى الانقضاض على حزب الله الكفيل بإضعاف موقف سورية ومعها إيران منذ أحداث السابع من أيار عام 2008 بعدما وفّرت كامل الدعم للرئيس فؤاد السنيورة لاتخاذ القرارات المُستفزّة.
انتهت المرحلة التي جربت فيها السعودية قدرات ونفوذ حزب الله في البلاد، فتجنبت هذا الاشتباك إلى حين سقوط المشروع في سورية، وبعد خمس سنوات من الحرب وجدت الرياض نفسها أمام واقع جديد فرض «اعترافاً دولياً غربياً وأوروبياً بضرورة التوصل إلى حلّ سياسي بين الدولة السورية والمعارضة» أي أنّ إسقاط الرئيس الأسد بات وراءها وأنّ ذلك المشروع قد انتهى.
تصطدم السعودية تدريجياً بحقيقة أخرى تأتيها من لبنان، حيث صعَّدت مواقفها، بشكل واضح، تجاهه فتراجعت عن الهبة التي كانت قد أعلنت عنها للجيش اللبناني وسعّرت حملتها على حزب الله حتى بات اللبنانيون أمام مشهد من حملات الاعتذارات والعرائض الموالية لها من أجل التراجع عن هذا القرار.
وبحسب مصدر في تيار «المستقبل» فإنّ ما حصل ما كان ليحصل لولا تنازلات «المستقبل» التي تفسر بقبول حلفاء السعودية بترشيح الوزير سليمان فرنجية، وهي لم تأت إلا تناغماً وانسجاماً مع الواقع السوري الجديد. فترشيح فرنجية لم يكن، بطبيعة الحال، سقطة مستقبلية ولا قراراً تنازلياً إنما لأنه أحد الذين يستطيعون رسم أحد المخارج القادرة على تقبل الحريري وحلفاء السعودية في المرحلة المقبلة واقتسام السلطة مع مَن لعبوا دوراً مباشراً في الأزمة السورية.
سياسياً، يبقى للمملكة العربية السعودية في لبنان تيار المستقبل وحيداً، كفصيل متموضع بشكل مباشر مع أولوياتها فالحديث عن قوى 14 آذار بات من الماضي. وقد قال السفير اللبناني السابق جوني عبدو عند إعلان ترشيح فرنجية: «رحم الله 14 آذار» وإذا تمّ التسليم جدلاً بفرادة وميزة 14 آذار بالنسبة إلى السعودية، فإنّ النتيجة ستكون التمايز بانضمام أفرقاء مسيحيين منضوين تحت لواء المملكة منذ عام 2005 حتى فترة وجيزة تحديداً قبل أن يعود ويتوضّح مصير الرئيس بشار الأسد.
تصطدم المملكة اليوم بحقيقة عجزها عن لملمة الشارع المسيحي الذي كانت قد ضمّته إلى فريقها كي لا تُضيف إلى حراكها في لبنان نَفَساً طائفياً، فحزب «الكتائب» يعلن بلسان وزيرين في الحكومة عدم اقتناعه بضرورة الاعتذار من الرياض، لأنّ لبنان الرسمي لم يخطئ حتى يعتذر.
انتفض لبنان فكانت الخطوة السعودية عكسية، لكنّ فيها ما يكفي من الاعتراف بأنّ العقوبة ليست إلا دليلاً عن عدم قدرتها على السيطرة على المشهد من دون بلبلة، فكان حري بالمملكة التي كانت دائماً قادرة على ضبط المشهد أن تُعيد اللحمة من جديد إلى فريق 14 آذار القادر على إضفاء نوع من الميثاقية، إذا صحّ التعبير، على ما تدّعيه المملكة التي تجد نفسها أمام مجموعة من المشايخ والعلماء السنة والزعماء الطرابلسيين والشماليين وبعض الشخصيات العكّارية وبعض المواقف المسيحية الداعمة موقفها، فالكلّ بات يقف على مسافة منها.
يعتبر البعض في لبنان أنّ على السعودية إعادة النظر بهذه الإجراءات، لكنها بدت غير قادرة على ذلك في الوقت الحاضر. ويرى مصدر في 8 آذار «أنّ لبنان تحرّر، لأول مرة، من المظلة السعودية التي أدركت ذلك، وهي متوجهة نحو سحب البساط تدريجياً من تحت أقدام آل الحريري الذين يتوجهون نحو العجز المادي، بعد أن رفض الملك سلمان تخصيص أموال لدعم مجموعة شركات الحريري في الرياض الواقعة في مأزق بالغ، وبعد أن ركّزت مدفوعاتها على زعماء المحاور في الشمال ومناطق أخرى مثل صيدا، فالمملكة تدرك أنّ الكلمة الفصل للميادين في هذه الظروف التي لا تجد فيها مكسباً قريباً في تقوية فرقها السياسية التي تنتظر الحسم الميداني، من لبنان إلى سورية فاليمن، لتبني على الشيء مُقتضاه.
يخرج لبنان اليوم من تحت المظلة السعودية بعد عجزها عن بثّ الرهاب في صفوف أبنائه، لتتفاجأ بأنّ الهزة أو الصدمة السياسية والاقتصادية جاءت عكس التوقعات وبأنها لم تكن ذات وقع إلا عند حلفائها الذين يخشون أن تكون القطيعة حجّة لتخفيف المال عنهم، خصوصاً أنّ ما من دور سياسي يُناط بهم في المدى المنظور.