من يجرؤ على وقف إطلاق النار في سورية
د. حسام الدين خلاصي
كلما اقتربتَ من مفهوم السيادة الوطنية ستشعر أنك قادر على استيعاب مفهوم وقف إطلاق النار تماماً، فالقدرة على اتخاذ مثل هذا القرار تحتاج لأن تكون سيادياً ومستقلاً في قرارك لمصلحة شعب يقاوم منذ خمس سنوات ليحصل على وقف إطلاق نار عادل يفسح المجال له كي يتنفس الصعداء، ويرتاح من ويلات الحرب المسعورة عليه، ويسمح بالاستفادة من مراسيم العفو المتتالية وبالمصالحة الوطنية لتتقدّم من أجل مصلحة الوطن والمواطن ولوقف إطلاق النار تنتفي فيه مظاهر الإرهاب المستورد خصيصاً لسورية كي يهدّ كيان الدولة لا النظام ويغلق صنبور الإرهاب من تركيا والسعودية وقطر وغيرها.
السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني هو ما يسمح لأيّ طرف بوقف إطلاق النار، لقد بادرت الحكومة السورية بالموافقة على هذا التفاهم الروسي الأميركي فور صدروه، وجنحت للسلم في مبادرة حسن نية ومن خلال فهمها العميق للسياسة الدولية ولتشكل الأحلاف واحتراماً للشراكة في الدفاع عن السلم العالمي، ولكن على المقلب الآخر ولانتفاء الإحساس الوطني عند المعارضة المأجورة وعصاباتها والاستجابة لرغبات خليجية كاملة وتركية بحتة وصهيونية بامتياز بادرت غالبية هذه المعارضات لرفض هذا الاتفاق لأنّ إراداتها مسلوبة ومصنّعة في دوائر الاستخبارات.
لا يضير الحكومة السورية أن توافق على مثل هذا التفاهم في ظلّ استمرار عمليات الجيش العربي السوري لمحاربة التنظيمات الإرهابية كافة، وتلك التي لم تقدّم أوراق قبولها للاتفاق إلى مركز التنسيق في مطار حميميم في اللاذقية.
وعلينا أن نذكر هنا التسلسل الزمني المناسب لسير الأحداث كما حصلت قبيل هذا الاتفاق:
1 ـ منذ شهر وأكثر قبيل مسرحية جنيف 3 وأثناءها يتقدّم الجيش العربي السوري وبقوّة ويحرّر مناطق كثيرة في ريف اللاذقية ودرعا وحلب.
2 ـ عجز المعارضة المأجورة ومملكة التنابل في الاستحصال على وقف إطلاق النار في «جنيف 3» بحجة عدم القدرة على إيصال المساعدات الإنسانية وتوقف المحادثات بتواطؤ دي ميستورا وعصابته الأممية.
3 ـ إعلان السعودية المباشر عن نيتها التدخل البري في سورية بحجة محاربة «داعش» والترحيب البحريني والقطري ولمامة العرب والجامعة العبرية بذلك.
4 ـ ارتفاع وتيرة العواء التركي بحجة محاربة حزب العمال الكردي في الأراضي السورية وقصف بالمدفعية للأراضي السورية ودعوات للتهدئة وإدانات عالمية لهذا القصف البربري وتراجع وتيرته بعد التوتر في الداخل التركي وارتفاع صيحات المعارضة التركية على التصرفات الرعناء لأردوغان والتفجيرات الحاصلة والمفتعلة في تركيا بحق الجيش.
5 ـ استمرار تقدّم الجيش العربي السوري في أرياف حلب واللاذقية وهروب العصابات المسلحة باتجاه الأراضي التركية.
6 ـ ظهور تصريحات وتسريب معلومات عن امتلاك حزب الله لمنظومة دفاع جوي متطورة.
7 ـ لقاء روسي إيراني عسكري عالي المستوى.
8 ـ سفر وزير الدفاع الروسي في اليوم التالي في زيارة مفاجئة إلى طهران.
9 ـ انتقال عصابة «داعش» إلى ليبيا وشمال أفريقيا.
10 ـ كلمة الرئيس بشار الأسد والتي سبقت إعلان الاتفاق في خطاب السيادة والتحدّي أمام المحامين السوريين، والذي أشار فيه إلى أنّ الدستور المستهدف هو الذي سيحمي السيادة الوطنية ويحمينا… وهنا إشارة واضحة إلى أنّ سورية لن تنتظر من الخارجي أيّ كان أن يحدّد مواقيتها الدستورية، فهي تعمل على إيقاع انتصارات الجيش العربي السوري.
11 ـ الصحوة الأميركية لتطبيق قرار وقف النار بالشروط الروسية بالتنسيق مع سورية مسبقاً وبشكل مدروس كما ورد على لسان الدكتور فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السورية واللقاء مع الروس منعاً لهذا الانهيار الواضح لمخطط مملكة التنابل في سورية في صفوف العصابات الإرهابية، وبضغط من اللوبي الصهيوني، تحرّكت واشنطن منعاً لحرب تفكر إيران وحزب الله جدياً بشنّها على «إسرائيل» إنْ استمرت المملكة ومن ورائها «إسرائيل» بالتصعيد على الأراضي السورية.
12 ـ صدور الاتفاق والتفاهم بين الروس والأميركان على وقف العمليات العدائية واستمرار الحرب على «داعش» و«النصرة» والعصابات الإرهابية، وهو اتفاق غير ملزم لأنه ليس صادراً عن مجلس الأمن، ولكن سورية وافقت عليه في مبادرة حسن نية.
واليوم ومن بعد هذا السرد للتسلسل الزمني للأحداث سندرك أنذ الأمور تسير في بلاد العراق والشام بالتوصيف المقاوم إلى انتصارات حلف المقاومة، فالسياسة لا تأخذ بالتصريحات فالولايات المتحدة التي تمرّ حالياً بدورة تبديل لإداراتها تعوّدنا منها على التصريحات النارية مثل الحرب بحجة الكيماوي وعن رحيل الرئيس الأسد وغير ذلك وبالتالي فليس من المستغرب ان يكون لدى السيد كيري خطة باء وتاء وسين وجيم إلخ… نتيجة عدم رضى المملكة الوهابية واللوبي الصهيوني عن الاتفاق، لأنّ الحلم الصهيوني بتفجير المنطقة والعالم ما زال قائماً، ولكن الواقع يقول إنّ الرحيل للسيد كيري ولسيده أوباما بات محتوماً وإنّ العالم، وأوروبا بالتحديد، لا يميل إلى الحرب العالمية الجديدة رغم تورّطها، فهي قد اكتفت إلى هذا الحدّ ولا تتوقع أوروبا أن تساير جنون أردوغان ليحارب روسيا على حدودها، ولا تحلم بضياع اقتصادي جديد وهي التي تعوّدت على الاستعمار الناعم لدول المنطقة والعالم بدون حروب.
رسالة المقاومة وصلت للكيان الصهيوني وضغط على الروس ليبذلوا جهداً مع الإيرانيين الجادّين في دعم حرب على الكيان الصهيوني لإنهاء الغطرسة والتمدّد الوهابي وقطع رأس الأفعى، فالحرب إنْ كان لا بدّ منها، فلتكن مع الدولة الأساس في المخطط، فأتت زيارة وزير الدفاع الروسي المفاجئة لطهران وأُعلم السوريون بفحوى الاتفاق مع الأميركان على وقف الاعمال العدائية، وأنّ الاتفاق لا يتعارض مع السيادة السورية الوطنية، وأنّ الحرب على الارهاب مستمرة، وأنّ الاتفاق سيضمن خروجاً مشرّفاً لإدارة الولايات المتحدة الحالية بزعامة أوباما وسيحفظ ماء الوجه لأميركا بعد فشل مخططها في سورية والعراق في تصريح صريح وواضح لماريا زاخاروفا لا يقبل التأويل… نعم إنها حرب استنزاف واضحة وتثبيت عناصر القوة العالمية الجديدة المتشكلة على شرق المتوسط منذ 2011.
ومن هنا نجد أنّ قبول الحكومة السورية للاتفاق مبنيّ على الفهم العميق للانتصار وتوقيت إعلانه، وأنّ المناورة السياسية تعني الاستمرار في الواجب الوطني، وهي مقبلة بقوّة إلى أهمّ انتخابات برلمانية في تاريخها المعاصر وكما أنجزت انتخاباتها الرئاسية في ظلّ الجعجعة الأميركية آنذاك في 2014 ستنجز استحقاقها الدستوري التالي إنْ حصل جنيف أم لم يحصل، فما جنيف إلا وقفة مع الذات للغرب والشمال الأوروبي الذي فقد الشرق الأوسط إلى غير رجعة، وصار شرق المتوسط حوض مقاومة واسع وبقي لأميركا شمال أفريقيا إنْ استطاعت الراحة فيه، وكلنا يذكر كيري وهو يمنح لافروف حبة بطاطا ويحتفظ لنفسه بحبة بطاطا، ظناً منه بأنّ تقسيم العالم على الطريقة الأميركية ترضي الروس، ولكن للروس طريقتهم في تناول حبة البطاطا والشراكة مع الدول ذات السيادة، وللأميركان طريقتهم في استعمار دول تلفظهم ولو بعد حين.