لماذا اصبحنا أشلاء؟!
صمت طويل يسود المكان لا يهزه إلا صوت فتاة في عمر الزهور تتحدّث إلى من حولها… محاولة فهم ما حدث، صوت سمعته بأقلّ أجزاء الثانية… كان صوت دويّ أوقف قلبها واطفأ بصرها، ليأخذها إلى مكان آخر لا وجود إلا للون الأبيض الناصع فيه. تصمت قليلاً لتدرك أنّ ما من أحد يسمعها تلتفت يمنة ويسرى لتشعر بأقدام تتسارع وكأنها في سباق… أصوات عويل وصراخ… نهر من الدماء يسيل ليروي أرضاً فاضت أزهار الياسمين فيها باللون الأحمر… أشلاء تطايرت فانتشرت على بقعة من أرض وطن أحبّته… ذلك الصوت الذي لم تدرك سببه ترك حفرة ربما تتسع لكلّ هذه الأشلاء المتناثرة هنا وهناك… يلفّ الحزن قلبها المتوقف عن الحياة لتنظر إلى الأعلى فتجد مشهداً مغايراً عما هو في الأرض التي جاءها الموت مستعجلاً كما الإعصار فحمل معه كلّ من كان في طريقه… فتاة صغيرة كانت تلملم دفاترها المبعثرة مع أصدقائها والدموع تملأ عينيها المتطايرة لتحط في بقعة سوداء هناك حيث كان ذاك الذي حمل الموت ليحصدها وأصدقاءها فتصرخ بصوت غصّ بحرقة… لماذا بعثرتنا؟ لماذا جعلتنا أشلاء؟ ونحن نحب الحياة من أجل وطننا وأبائنا الذين هناك في الأرض يبحثون عن أجزائنا المبعثرة يلملمونها علّنا نعود إليهم ويفرحون… وتصمت ليرتفع صوت فتاة في ربيع العمر وتصرخ في وجه حامل الموت الأسود… لماذا فعلت ما فعلت؟ ألا تعلم أنّ هناك من ينتظرني ومن سكن قلبي واسكن قلبه لنبني عائلة تحب الحياة؟
قالت له ما قالت وهي لا تعلم أنّ من سكن قلبها قد تطاير أشلاء يلملم بقايا جسده في زاوية أخرى خوفاً عليها من الألم… تبكي وتبكي لتتصاعد تنهيدة من زاوية أخرى لشيخ عجوز لملم بقاياه وحمل عكازه وصرخ عالياً: لي أبناء وأحباب هناك… لماذا سرقت مني أيامي الباقية التي أردت أن أعيشها بسلام معهم؟ ولكن ما إنْ أنهى كلماته حتى انهارت عكازه متناثراً أشلاء تنتشر في كلّ مكان علّه يصل إلى من أحبّ.
يقف سارق العمر حامل الموت ليقابل امرأة تقف وكأنها جبل عال تخاطبه بصوت ثابت: أفَعَلتَ ما فعلتَ وشرّدتَ ويتّمتَ وسرقتَ حياة الناس لتحظى بحورياتك…؟ أتحتاج إلى كلّ هذه الدماء؟ ويغيب صوتها لتعلو أصوات هنا وهناك… فتتزاحم إشارات الاستفهام لسؤال واحد… لماذا أصبحنا أشلاء؟ ومن يملك الإجابة؟ سارق الحياة يقف معتدّاً بنفسه قبل ذهابه إلى جهنّم التي أوهمه مَن في الأرض بأنّ ما فعله ما هو إلا تأشيرة دخول إلى جنة النكاح وأنهار العسل…!
جميعنا نسأل، ولكن نبقى على أمل بحجم رأس الإبرة في قلب هذا السواد علّنا يوماً ما نجد من يجيب…
ربى الشلهوب