دي ميستورا لم يتسلّم أيّ خرائط من الجماعات المسلحة لمناطق مستقلة عن «النصرة» بعد عقوبات الهبات… ورفض زيارة سلام… السعودية تبدأ بالإبعاد و«سعودي أوجيه»
كتب المحرر السياسي
تشهد سورية اليوم نهاراً حافلاً بالترتيبات والاتصالات التمهيدية لوضع وقف النار قيد التنفيذ فجر غد السبت، ووفقاً للتفاهم الأميركي الروسي كراعيين للمجموعة الدولية الداعمة للحل السياسي في سورية بشراكة الأمم المتحدة، قامت الدولة السورية بمؤسساتها العسكرية والأمنية باتخاذ الترتيبات اللازمة لتطبيق الهدنة كما حدّد التفاهم شروطها، وأبلغت روسيا كوسيط معتمد وفقاً للبيان الأميركي الروسي بجهوزيتها للتعاون مع كلّ مقتضيات وضع هذه الهدنة موضع التنفيذ، وبقيت موسكو ودمشق وواشنطن تنتظر معاً أن تتبلّغ من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أنه تسلّم الخرائط التي تحدّد الجماعات المسلحة المنضوية تحت لواء المعارضة قدرتها على ربطها بمسار الهدنة بمعزل عن كلّ من تنظيم داعش وجبهة النصرة المستثنيين من أحكام التفاهم وحتى ساعة متقدّمة من ليل أمس لم يكن مكتب المبعوث الأممي قد تلقى أيّ خرائط، باستثناء ما ورد من لجان الحماية الكردية، فيما بقيت الجماعات التابعة للرياض تتحدّث عن شروط، على إيقاع كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن خطة «ب» في حال فشل الهدنة، بينما سخرت مصادر متابعة من كلام كيري عن تقسيم سورية وعن خطط بديلة، بعدما صار الأمر الواقع الراهن يقول إن مَن بيده خطة «ب» هي سورية وحلفاؤها، بمواصلة الحسم العسكري، إذا فشلت واشنطن بجلب جماعتها إلى العملية السياسية التي يتفاءل دي ميستورا بإعادة إطلاقها منتصف الشهر المقبل في ضوء تطوّر وتقدّم نجاحات مأمولة لوقف النار.
حيث الحرب على الإرهاب ممثلاً بداعش والنصرة ومعهما أحرار الشام التي رفضت الهدنة، ستستمرّ بما ينسجم مع مضمون البيان الروسي الأميركي، واصل الجيش السوري وسيواصل مع حلفائه المواجهات، وتحقيق الإنجازات، حيث نجح في داريا بتحقيق تقدّم نوعي بين الأنفاق والتحصينات التي أشادتها جبهة النصرة هناك بينما شهدت بلدة خناصر التي تصل بين حماة وحلب، معركة ضارية نتج عنها مقتل العشرات من عناصر تنظيم داعش الذي كان قد استولى على أكثر من نصف البلدة قبل يومين، لينجح الجيش السوري والحلفاء باستردادها وتوسيع الانتشار نحو التلال والقرى المجاورة وإعادة فتح طريق حلب حماة وصولاً إلى دمشق، وتوقعت مصادر عسكرية أن تشهد أرياف حلب المزيد من المعارك الحاسمة باتجاه طريق الرقة ومدينة الباب، بينما تشهد جبهة إدلب المزيد من التقدّم في القرى المحيطة بالمدينة التي صارت المعقل الأخير لجبهة النصرة، والقاعدة الأخيرة لتركيا داخل الحدود السورية.
الكلام المرتبك لكيري قابله ردّ قاس من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال لا وجود لخطة «ب» لوقف النار إلا وقف النار، متسائلاً عن الجدية الأميركية في تنفيذ التفاهم، بينما كان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر يشيد بالمهنية والحرفية الروسيتين في إدارة ملف وقف النار، ويشير إلى احتمال اقتراب معركة الرقة.
لبنان الذي لا يزال يعيش تحت وطأة الضغط السعودي الذي لم يصل إلى نهاياته كما يبدو، حيث تفاجأت الأوساط السياسية والإعلامية بنبأ إبعاد تسعين لبنانياً من السعودية، ووقف التحويلات المالية لشركة «سعودي أوجيه» التي يملكها الرئيس سعد الحريري، بعد وقف الهبات العسكرية ورفض استقبال وفد حكومي، بينما تسود القطاع العقاري والسياحي مخاوف من ركود وكساد مع القرارات الخليجية بمنع زيارة لبنان وما قد يستتبعها على المستويين المصرفي والعقاري من خروج الرعايا الخليجيين من الأسواق العقارية والمصرفية اللبنانية.
وتحت الضغط يعيش اللبنانيون سؤالاً لم يسمعوا عليه وسط الصراخ المساند للسعودية من حلفائها، أيّ جواب، هل يمكن تفسير معنى هذه الحرب بما يتناسب معها من أفعال لبنانية عدائية ضدّ السعودية، وبما يتناسب مع معادلة «السعودية تريد التوافق اللبناني»، و»لا تريد شيئاً مقابل ما تقدّمه للبنان واللبنانيين»، ومع القول إنّ «استقرار لبنان همّ القيادة السعودية التي تحبّ لبنان واللبنانيين؟».
الرياح الصحراوية لا تسقط الحكومة
رغم صدور بيان تصحيح العلاقات مع السعودية عن مجلس الوزراء الاسبوع الماضي وما رافق ذلك من تواقيع لعريضة التضامن التي اطلقها الرئيس سعد الحريري، والبيان الذي أصدره فريق 14 آذار بعد اجتماعه في بيت الوسط، والوفود التي تقاطرت الى السفارة متضامنة، لا تزال الرياح الصحراوية مستمرة فبعد القرار بوقف دعم الجيش اللبناني لأنه لم يتبنّ سياسة مناوئة للمقاومة، قررت ان تضرب اللبنانيين في لقمة عيشهم، حيث تم إبلاغ 90 شخصاً لبنانياً من مختلف الطوائف الاستغناء عن خدماتهم في الشركات التي يعملون لديها في المملكة، بعد أن وضعت لائحة بـ 900 لبناني لمغادرة أراضيها.
إلا ان التصعيد السعودي بقي ضمن الحدود المعقولة فلا قرار بالقطع النهائي، رغم كل التهديدات والإجراءات التي اتخدتها المملكة في الايام القليلة الماضية، وأكبر دليل على ذلك أن الحكومة لم تستقل رغم كل التهويلات، وبيانها الذي صدر لم يحاكِ تطلعات المملكة، وان كان الرئيس تمام سلام حاول امس، تبرئة نفسه من الموقف الذي اتخذه لبنان في الجامعة العربية ومؤتمر منظمة التعاون الاسلامي برمي الكرة عند وزير الخارجية جبران باسيل.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن الوضع اللبناني في ظل التصعيد السعودي مفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها السيئ جداً»، إلا أنها لفتت الى «الحوار الوطني والحوار الثنائي والحكومة كمسارات ثلاثة تملئ الفراغ في البلد وتشكل رؤوس جسور تجمع الأطراف المتخاصمة ومساحة تلاقٍ لا يزال هناك إجماع على استمرارها وبقائها في ظل الإصرار الأميركي على مواصلة الحوار، لا سيما ان لبنان يعيش في محيط ساخن».
حزب الله مستمرّ بالحوار
وشددت مصادر نيابية في فريق 8 آذار على «أن حزب الله مستمرّ بالحوار الثنائي، مهما كان حجم التهديد السعودي، طالما أن الفريق الآخر لن يبادر الى قطعه، ولكن إذا اتخذت الرياض قراراً بإلزام تيار المستقبل بوقف الحوار، فلن يبذل الحزب أي جهد من أجل استئنافه، لأن المبدأ الذي أرساه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله رداً على تهديد المستقبل بقطع الحوار لا يزال ساري المفعول».
وأشارت المصادر الى «أن تيار المستقبل يعلم «أن قطع الحوار في هذا التوقيت ليس في مصلحته، ولذلك من المرجّح أن ينحصر البحث في مواضيع محددة أو المحافظة عليه بالشكل، لا سيما أن أحداً لن يبدّل موقفه من التطورات الإقليمية». ولفتت المصادر في الوقت نفسه إلى «أنه إذا قطع الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، فأحد لن يتفاجأ بذلك». مشيرة الى عدم قدرة أي فريق اتخاذ موقف بإنهاء الحوار وتحمّل مسؤولية وتبعات ما بعد ذلك، لأنها ستقع على عاتقه».
جنبلاط يكبح جماح إسقاط الحكومة
وفي الشأن الحكومي، أكدت المصادر «أن مجلس الوزراء هو الموقع الأخير في الدولة الذي يؤمن تسيير شؤون الناس في الحد الأدنى الممكن بالتالي فإن حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاءهما حريصون على الحكومة ولن يبادروا بأي شكل من الأشكال الى إسقاطها أو تعطيلها، وفي الوقت نفسه لن يكون حزب الله مستعداً للتنازل عن القواعد الأساسية والمبدئية من أجل أحد، فهو أكثر إيماناً وإصراراً على موقفه السياسي ولن يغير قيد أنملة في قناعاته التي أصبحت أكثر رسوخاً، وحقق بالبيان الحكومي انتصاراً في السياسة يفوق الانتصار الذي حققه في البيان الوزاري».
وإذ أبدت مصادر وزارية في 14 آذار لـ«البناء» مخاوفها من نية البعض من قيادات تيار المستقبل إسقاط الحكومة لإخراج حزب الله من السلطة وما لذلك من انعكاسات»، لفتت الى «أن وزراء حزب الكتائب وجبهة النضال الوطني يعتبران أن إسقاط الحكومة ليس في مصلحة احد»، وأن النائب وليد جنبلاط يحاول كبح جماح بعض صقور تيار المستقبل بكل الأشكال وطلب من الرئيس سعد الحريري التريث قبل استقالة وزرائه لما لذلك من تداعيات خطيرة على البلد». ولم تستبعد المصادر «أن تقدم السعودية على إسقاط الحكومة في سياق مسارها التصعيدي الذي بدأته، الا ان الواضح هو بقاء الحكومة دون المس بها في الوقت الراهن في ظل التشدد الاميركي بضرورة المحافظة على حد أدنى من الاستقرار في لبنان».
.. ومحكومة بالبقاء حتى انتخاب الرئيس
وأكد عضو كتلة القوات اللبنانية النائب انطوان زهرا لـ«البناء» أن هناك إجماعاً من كل المكوّنات الحكومية، برغم التباين من السياسة السعودية، على استمرار الحكومة لما في ذلك من مصلحة للبنان لكونها المؤسسة الوحيدة الفاعلة في ظل الفراغ الرئاسي وتعطيل عمل مجلس النواب، ولذلك فإن الحكومة محكومة بالالتئام لحين انتخاب رئيس للجمهورية».
وتوقفت مصادر سياسية في 8 آذار عند تبلغ 90 لبنانياً في السعودية من أرباب أعمالهم الاستغناء عن خدماتهم»، وأشارت إلى «أن هذه الإجراءات ليست أكثر من إجراءات كيدية تمارس العقاب الجماعي على اساس غير مسؤول»، مشيرة الى «أن السعودية تحاكي «إسرائيل» في أدائها فالأخيرة قصفت مدناً بأكملها في حرب تموز، فقط لأن صاروخاً أُطلق من بعض البلدات».
بري: التقارب الإيراني ـ السعودي مفتاح الحل
ومن بروكسل، أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن التقارب والحوار بين طهران والرياض هو أكثر من ضروري. وهذا الاقتناع يجب أن يتعمّم، لكن ويا للأسف الأحداث تتسارع وتخربط كل المحاولات واللقاءات التمهيدية. مع ذلك لا أزال أرى أن مفتاح الحل هو هذا التقارب». وشدّد على «أن المجلس النيابي سيكون المرجع لإعادة إنتاج الدولة وأدوارها انطلاقاً من انتخابات الرئاسة وإصدار قانون للانتخابات التشريعية». واذ لفت الى ان الحوار الوطني بين كافة المكونات الوطنية وممثليها مستمرّ، وهو يشكل ضمانة وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات وأنه وطن نهائي لجميع ابنائه .
أشار إلى ان الحوار الثنائي بين تيار المستقبل وحزب الله تمكّن من خفض سقف التوترات وإجهاض كل نوازع الفتنة المذهبية وقد جرى فيه تطوير نقاط الالتقاء وتضييق الهوة حول نقاط الاختلاف. وأكد أن بإمكان اللبنانيين إدارة اتفاقاتهم واختلافاتهم وحفظ الوطن حديقة باردة للاختلافات الإقليمية مهما عصفت رياحها وزادت الحوارات الساخنة الجارية على غير ساحة .
الحكومة مرهونة بالنفايات
لم توتر الأجواء السعودية جلسة مجلس الوزراء امس، فالنقاش لم يتطرق الى الموقف السعودي واقتصر الكلام على مداخلة لرئيس الحكومة تمام سلام في بداية الجلسة استهلها بعرض للبيان الحكومي وتمنى على الوزراء جميعاً أن يواكبوا الاتصالات التي حصلت مع المملكة بتأكيد الإجماع الحكومي والالتزام بالبيان وعدم الإدلاء بأي تصريحات تخالف هذا البيان، وإن كان وزراء حزب الكتائب وحزب الله اكدوا قبيل الجلسة رفض الاعتذار من السعودية، حيث أكد وزير الاقتصاد ألان حكيم أن «الحكومة لم تخطئ حتى نعتذر من أحد. وكفى هلعاً من الخطوات الخليجية، لأن الهلع المسبق يؤثر على الاقتصاد»، وأشار وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش «أننا لم نخطئ حتى نعتذر»، سائلاً: «هل الاعتذار يخرج السعودية من مأزقها في اليمن؟».
وفي ملف النفايات، وأشارت مصادر وزارية لـ«البناء» إلى أن رئيس الحكومة أجرى اتصالات بالمعنيين بشأن إقامة المطامر وأنه سيدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء على ضوء النتائج التي ستصدر عن هذه الاتصالات في اليومين المقبلين»، لافتة إلى أن سلام بحث مع الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان في إعادة العمل بمكب برج حمود ومع رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان في مكب الكوستابرافا وأجرى اتصالات بالرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط لإعادة فتح مطمر الناعمة لبضعة أيام»، ونقلت المصادر تأكيد الرئيس سلام أن بقاء الحكومة مرهون بحل ملف النفايات، وارتياحه الى مواقف الكتل السياسية التي باتت تتفهم الحاجة إلى إقامة المطامر بعد فشل الترحيل والطريق المسدود الذي وصلت اليه الحكومة في معالجة هذا الملف».
لجنة التواصل تعود الثلاثاء
إلى ذلك، تعقد لجنة التواصل النيابية المكلّفة درس قانون الانتخاب اجتماعاً الثلاثاء المقبل بعد عودة النائبين ألان عون وروبير فاضل من واشنطن لإجراء قراءة أخيرة للصيغة التي تجمع بين الأكثري والنسبي والتي تمّ التوافق عليها، تمهيداً لرفع التقرير النهائي لعمل اللجنة من قبل منسقها العام النائب جورج عدوان إلى رئيس المجلس نبيه بري الذي يكون بدوره عاد من الاجتماعات البرلمانية التي يشارك فيها في بروكسل.