أزمة «إسرائيل» المائية ومخططاتها التوسُّعية
أسامة العرب
إذا كان الصراع على البترول شكّل مساحة كبيرة من معادلات المنطقة منذ عقود كثيرة وحتى الآن، فإنّ الصراع على المياه من الآن فصاعداً سوف يكون أشدّ قسوة وأكثر خطورة. وفي هذا الإطار، يقول نائب مدير البنك الدولي: «إنّ القرن العشرين كان قرن الصراعات على النفط، لكنّ القرن الواحد والعشرين سيتميّز بالحروب على المياه».
يقع الكيان الصهيوني ضمن المناطق القاحلة في العالم والذي تشكل نسبة التصحر فيه ما يقارب الـ 80 في المئة من مساحته بالنسبة إلى الأراضي المحتلة قبل عام 1967، حيث أنّ أكثرية مناطقه صحراوية جافة، بينما تعاني المناطق الأخرى من الجفاف والندرة المطلقة من المياه. لذلك أعلن دايفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان عام 1955 «أنّ اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة تلك المعركة يتوقف مصير إسرائيل، وإذا لم ننجح في هذه المعركة فإننا لن نبقى في فلسطين».
ويشير الكاتبان مايك غونزاليس أستاذ دراسات أميركا اللاتينية في جامعة غلاسكو البريطانية، والصحافية والكاتبة الفنزويلية مايرانيلا يانس، في كتابهما الجديد «قطرة المياه الأخيرة ـ سياسات الماء» الصادر عن دار «بلوتوبرس» البريطانية في تشرين الأول 2015، ما حرفيته: «كانت 60 في المئة من مياه إسرائيل قبل حرب الأيام الستة في 1967 تأتي من حوض نهر الأردن، و75 في المئة منها تعود لنهر الأردن، واحتلالها لهضبة الجولان السورية في سياق تلك الحرب، والذي يعدّ احتلالاً إلى يومنا الحاضر، أعطى «إسرائيل» تحكّماً بمصادر مياه نهر الأردن، واليوم تحت الحصار «الإسرائيلي»، يحصل مليون نسمة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى سكان قطاع غزة، على ما يُعادل 44 لتراً من المياه لكلّ شخص يومياً فقط، وهذا ما يضع الفلسطينيين أمام مصدر وحيد للمياه، وهو ناقلات المياه، والتي تبلغ كلفتها 400 ضعف المياه التي تأتي عبر الصنبور». ويُضيف الكاتبان: «حرب إسرائيل كانت حول المياه التي لم يكن من غنى عنها بالنسبة لمشروعها الاقتصادي الصحراوي، وفي صراع 1967 على مرتفعات الجولان، كان لديها – كما اعترفت «إسرائيل»، هدف التحكم بمصدر نهر الأردن، واليوم هيمنتها على مياه الأردن أصبحت أداة في حرب أخرى مستمرة ضدّ الشعب الفلسطيني، حيث تحاصرهم بالعطش، وبالآلة العسكرية الوحشية».
كانت المياه من أهمّ العوامل التي نشأت بسببها الحروب بين العرب والكيان الصهيوني، فالعمليات العسكرية «الإسرائيلية» على الحدود السورية ـ اللبنانية عامي 1964 و1965 كانت بسبب الأطماع «الإسرائيلية» بمياه أنهار الأردن وبانياس واليرموك والحاصباني، كما كان تحويل مجرى نهر الأردن من أسباب حرب 1967. وفي العام 1982 شنّت «إسرائيل» حملة عسكرية على لبنان كان من بين أهدافها السيطرة على نهر الليطاني.
نهبت «إسرائيل»، حتى الآن، ما يزيد عن 33 مليار متر مكعب من مياه الجولان السوري المحتل، وبحسب رأي خبراء المياه، ليس لدى سلطات الاحتلال أيّ امكانية أو مصدر مياه آخر لتعويض الكميات التي تسرقها إذا ما انسحبت من الجولان. فالجولان تمرّ فيه ثلاثة أنهر تجري نحو روافد نهر الأردن، وهي بانياس والدان والحاصباني الذي ينبع من لبنان. وتؤمِّن هذه الأنهر وحدها اليوم 40 في المئة من حاجات «إسرائيل» السنوية من المياه. لهذا نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قديماً مقالاً تحت عنوان «تجرّؤ على السلام»، أشارت فيه إلى أنه «قبل حرب عام 1967 كانت إسرائيل تواجه مشاكل لأنّ سورية كانت تحوّل مصادر المياه في الجولان، لذلك فإنّ رئيس الوزراء إيهود باراك يرى أنّ هذا الأمر يجب ألا يتكرّر، وهذا الأمر يشكل خطاً أحمراً بالنسبة إليه، وهو لن يسمح بتجاوزه». لذلك فإنّ «إسرائيل» تتعامل مع الموارد المائية باعتبارها مسألة أمنية استراتيجية وجودية من الدرجة الأولى، وهذا ما أكده أيضاً الرئيس السابق لكيان العدو شمعون بيريز بقوله: «إنّ إسرائيل تحتاج إلى الماء أكثر من حاجتها إلى الأراضي».
لهذه الأسباب، كانت عين الاحتلال مؤخراً على منابع المياه في جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة، وبحسب ما أكدته صحيفة «السفير»، ترغب «إسرائيل» بالسيطرة على سيول مياه الأمطار في درعا والقنيطرة وجرّها نحو أراضيها، واستكمال حفر الآبار الارتوازية في مناطق متقدّمة لتستكمل سرقتها من تحت الأرض، ما يعني أنّ الحرب على سورية تستهدف في جزء منها السيطرة على الموارد الطبيعية.
لكنّ ما جرى في الأيام الأخيرة من تقدّم للجيش السوري وحلفائه في الميدان أفشل ذلك المشروع بشكل واضح للعيان، ذلك أنّ صمود الجيش السوري بمساندة من حزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومؤخراً روسيا، كان الرادع الأول لكافة أطماع الكيان الصهيوني. ومما لا شك فيه أيضاً أنّ تشكيل نواة مقاومة في الجولان المحتلّ أثار ذعراً حقيقياً في الأوساط «الإسرائيلية»، ذلك أنّها تعلم مدى نسبة استعداد شباب الجولان للمقاومة والتحرير، وهذا ما بدا واضحاً لها في السابق من خلال انتفاضة الجولان عام 1982، ومن خلال أعداد المعتقلين من أبناء قرى الجولان في سجون الاحتلال الذين بلغت نسبتهم واحداً من ثلاثة، وهذه نسبة عالية جداً تدلّ على مدى جهوزية هذه الجبهة لتتحوّل مستقبلاً إلى جبهة قتال مفتوحة على العدو، تطاله في أعماقه.
إنّ نصرنا الاستراتيجي الكبير لن يتحقق إلا عندما تتحرّر الجولان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا كلياً من الاحتلال «الإسرائيلي»، كما حصل في السابق عندما تحرّرت أرضنا العربية «الجنوب اللبناني المحتل» بفضل تضحيات المقاومة اللبنانية وبدعم من سورية وإيران، ذلك أنّ المقاومة هي واجب وطني لدرء كافة الأطماع «الإسرائيلية» عنا، لا سيما تلك المتعلقة بأرضنا وثرواتنا المائية والنفطية، وهي واجب قومي وإنساني أيضاً للدفاع عن قضيتنا المركزية فلسطين، وهي واجب ديني وأخلاقي أيضاً لإغاثة شعبنا الفلسطيني المُستضعف والمُضطهد من قبل سلطات الاحتلال. ألم يرَ العرب والمسلمون جميعاً أنّ المسجد الأقصى بات مهدّداً بالانهيار «في أيّ لحظة» بسبب الاعتداءات «الإسرائيلية» اليومية عليه؟ ألم يروا كيف منع جنود الاحتلال إغاثة الفتاة ياسمين التميمي من قبل أهلها، بعدما أطلقوا النار عليها، ثم تركوها تسبح بدمائها حتى الموت؟ ألم يروا كيف «تلذّذ» المستوطنون «الإسرائيليون» بحرق الطفل الرضيع علي دوابشة وأهله أحياء، لتتمّ تبرئتهم لاحقاً من قبل سلطات الاحتلال؟ ألم يروا كيف تُسلب يومياً ممتلكات المقدسيّين ظلماً وعدواناً؟ وهل بغير المقاومة نتحرّر يا عرب؟
محام، نائب رئيس
الصندوق المركزي للمهجرين سابقاً