الحريري من زعامة السرايا إلى زعامة القرايا…!
علي جانبين
وضعت السعودية كلّ ثقلها المالي والسياسي لرعاية زعامة الرئيس رفيق الحريري ومن بعده نجله الرئيس سعد الحريري، وراهنت السعودية على أنّ هذه الزعامة تستطيع أن تكون لكلّ الظروف قادرة على تلبية متطلّباتها من لبنان. وجاءت أحداث كثيرة أثبتت الزعامة الحريرية القدرة على ذلك حتى في بداية الحرب السورية، وخلالها نجح الحريري في توظيف مكانته اللبنانية لتشكّل قاعدة الدعم والإسناد للدور السعودي في سورية.
يبدو الحريري اليوم في وضع سيّء بالعين السعودية، فقد تغيّرت أشياء كثيرة، وها هو القادم من البلد الذي التجأ إليه يوماً تحت حجّة حماية نفسه من خطر الاغتيال في لبنان، مُجبر على المجيء بقرار سعودي والاعتراف أنّه بسحر ساحر قد زال هذا الخطر، مع العلم أنّ الأوضاع الأمنية في لبنان الآن هي الأسوأ والأصعب، ولكن تسارع الأحداث الإقليمية الأخيرة هي التي عجّلت في عودته. فهذه العودة مختلفة، حيث أنّه آتٍ بمهمّة حربية، فلم يكد يصل حتى بدأ بإطلاق مواقف نارية ضدّ إيران وحزب الله وحلفائه.
ضغطت السعودية، تريد المزيد، فالكلام لم يعد يُفيد، فلجأ الحريري إلى الحكومة محاولاً مناقشة مواقف وزير الخارجية من جديد، فلم ينجح، فخرجت السعودية نفسها إلى الميدان وأعلنت عقوبات ضدّ لبنان بدأت ولم تنته.
لم يدرك الحريري أنّ الملوك عندما يتدخّلون حيث أوكلوا الأمر إلى من يمثّلهم يكونون ضمناً قد قرّروا عزله، فلو وثقوا بقدرته لما اضطروا إلى الظهور علناً، فحاول خوض مساعي الاستعطاف والتمجيد لعلمه بجدواها مع ملوك السعودية، لكن هذه المرّة لم تُفلح، فكان مفعول البيان الصادر عن الحكومة صفراً، ووصلت رسالة غضب جديدة إلى مسامع الحريري فقرّر أن ينزل إلى الشارع.
الحريري في الشارع يعني أنّه يغامر بمهابته ليقدّر له السعوديون التضحية وينظروا بعين العطف إلى ما يفعل، ويأخذوه بالاعتبار، لكنّهم رأوا شيئاً آخر… فقد رأوا أنّه يُعلن الفشل الجديد، فالسرايا التي بنوها لتكون مركز حكم لبنان لحسابهم لم تنفع، وها هو يغادرها بعدما أدخلوه إليها فيغادر عظمة السرايا ليلجأ إلى ما ينتظره السعوديون من زعماء أحياء صغار، وما فيها من عجز وضعف الشعبوية تليق بزعيم محليّ ناشئ، وليس بالحريري الذي يعتبر السعوديون أنّهم مكّنوه من وضعية الحاكم أن يذهب للتصرّف كزعيم محلي ضعيف يجمع التواقيع على العرائض وينظّم الوفود المؤيّدة إلى سفارة السعودية.
في زمن تعتبر السعودية أنّها أنفقت وأعطت الفرصة الكافية لصناعة زعيم يضع لبنان في جيبها، استفاق الحريري فجأة وأدرك أنّه ما دامت القضية صارت من يجمع الشارع ويطلق الهتافات والعرائض فيصير الزمن لسواه، فهناك أشخاص من أمثال الوزير أشرف ريفي أجدر منه لهذه المهمّة، وينافسونه على الزعامه، ويسعون إلى كسب رضا المملكة.
تغيّرت قضية الحريري وصارت تحجيم المنافسين، ليقول للسعودية هؤلاء لا يستطيعون شيئاً من دوني، وبرز إحساسه بالخطر الذي لم يعد بالإمكان تجاهله، والذي اتّضح جلياً من خلال الزياره الأخيره التى قام بها إلى الشمال، والاستقبال الخجول على غير العاده ليدرك أنّ كلمة السرّ السعودية وصلت ولم يعد الأمر كما كان، وأنّ قاعدته الشعبيه قد تلاشت وصارت أشلاء يتقاسمها سواه.
الحريري منصرف اليوم إلى ترميم زعامته وإثبات الأهلية مجدّداً لدى السعودية، ولكن كزعيم شارع وليس كرجل دولة. ويدخل في سباق غير متكافئ من الصفر مع رجالات شارع أجدر منه بهذا النوع من الزعامة، بعدما خسر فرصة زعامة رجل الدولة وبات صعباً عليه البدء من الصفر لصناعة زعامة المتاريس.