صورة نمطيّة وتشويه تاريخيّ وثرثرة وجهل في حارة افتراضيّة خارج الزمان والمكان

دمشق ـ محمد سمير طحان

لم يبق من مسلسل «باب الحارة» في جزئه السادس إلاّ اسمه، فتبدل الأسلوب الإخراجي مع المخرج عزام فوق العادة، خلفاً للمخرج بسام الملا، واستبدل الكاتب كمال مرة وقبله مروان قاووق بالكاتبين عثمان جحا وسليمان عبد العزيز، ما منح للعمل رؤية جديدة أخرجته قليلاً على إطاره المعهود وأضفت عليه صورة جديدة أقل بهرجة من السابق. كما سُجّل غياب عدد من أبطال العمل الذين استبدلوا بممثلين آخرين، مثل شخصية «أبو حاتم» التي أداها الراحل وفيق الزعيم، فحل مكانه سليم صبري في هذا الجزء، أو ألغيت شخصية أخرى تماماً مثل شخصية أبو بشير» التي أداها الراحل حسن دكاك مع تغييب شخوص من دون أسباب واضحة، مثل شخصية «الخضري أبو مرزوق» وغُيّبت شخوص حارة الماوردي لتقتصر الحوادث على حارة الضبع وبيوتها التي تغيرت أيضاً!

أمّا على مستوى الحكاية فلم تبق هناك حوادث تشويقية صغيرة في كل حلقة، بل اعتمد كاتبا المسلسل خطوطاً درامية أوسع وذات نفس أطول، وحاول الممثلون الباقون من الأجزاء السابقة رفع درجة التشوثيق بأداء مبالغ فيه أحياناً، مثل هدى شعراوي في دور «الداية أم زكي» وزهير رمضان في دور رئيس المخفر «أبو جودت» ومحمد خير الجراح في دور «أبو بدر» إلا أن محاولاتهم لم تنجح معظم الأحيان في كسر رتابة النص.

حبكة العمل الأساسية لم تعد واضحة، والحوادث تجري دونما نقاط ارتكاز درامية أو هدف معين، فبدال المسلسل كأنه كتب من غير معرفة نهايته التي سيختم هذا الجزء بها، معتمدين في الغالب على وجود جزء سابع للعمل، فكثرت الثرثرة والمشاهد المكررة على حساب بنية النص التي كان ينبغي أن تكون أكثر تماسكاً.

حافظ «باب الحارة» على تكريس الصورة التي بدأها لأهالي الشام من رجال ونساء محدودي العلم والثقافة ولا يعرفون سوى الثرثرة، في حارة افتراضية خارج الزمان والمكان، مع الإصرار على تغييب الجانب التنويري والمعرفي في المجتمع الدمشقي وسلخ هذه الحارة عن المجريات التاريخية بتبسيط كل شيء إلى حد السذاجة وتسخيف عقلية المشاهد.

زجّت شخصية «أبو عصام» العائدة إلى «باب الحارة» من سجون المحتل الفرنسي بعدما غُيّبت في الأجزاء الأخيرة إثر وفاة هذه الشخصية، فكان له دور كبير في العمل الوطني التحرري إلى جانب الكتلة الوطنية المعروفة بأسمائها المشهورة لجميع السوريين المطلعين على تاريخهم، في محاولة من قبل الكاتبين لإضفاء سمة التوثيق على العمل، متناسيين أن مثل هذا العبث الدرامي يعتبر لعباً بالتاريخ وتشويهاً للحقائق وجريمة في حق ذاكرة جيل من الأطفال يشاهد هذا العمل ويرى من خلاله صورة دمشق وتاريخ سورية ماضياً.

في المقابل، يمكن أن تحسب لـ»باب الحارة» قدرته على التسويق السياحي لمدينة دمشق عبر التعريف بالمطبخ الشامي والبيوت القديمة وعادات أهل الشام وتقاليدهم في المأكل والملبس والحياة اليومية بتفاصيلها المحببة لدى كل من يطلع عليها، إلى جانب اشكال المناسبات من أعراس وغيرها.

في نظرة شاملة إلى العمل منذ نسخته الأولى التي كتبها مروان قاووق ولم يتوقع هو نفسه نجاحها الهائل عربياً، وخاصة أنه ليس العمل الأهم بين نصوص قاووق، مروراً بجميع الأجزاء التي تلت، يمكن أن نتبين حجم المشكلة التي وقع فيها القائمون على العمل، فهم كانوا على الدوام مطالبين بنسخ إضافية من «باب الحارة» وكل مرة تحت ضغط النجاح الشعبي ووجود الجهة المنتجة المستعدة للإنتاج، مع علم الجميع بأن هذا المسلسل ينقصه الكثير من النواحي الفنية ليكون الأهم في الدراما السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى