بين حريق الأحزان وربيع الأوطان

 

عبد الرحمن الخليفة

إنّ التطرف الديني الذي غزا العالمين العربي والإسلامي في محصلة واقعية يدركها كلّ متأمّل للاحداث، التي بدأت في افغانستان برعاية أميركا لطرد الاتحاد السوفياتي من وجهة نظر المجاهدين، وانهاء الحرب الباردة والانتصار على المعسكر الاشتراكي ضمن منظومة من الأدوات التي كانت تعمل على حصاره وتفكيكه من الولايات المتحدة والمديرين الخفيّين الذين كانوا يوجهون الأحداث من خلف الستار، ويستعدّون لإطلاق مرحلة الصراع مع الخطر الأخضر وقضم الأرض في الشرق الاوسط تطبيقاً لذات النهج في دول القوقاز وأوكرانيا الخ… لمصلحة مشروع أحادي قاهر لمستقبل كلّ التنوّع في العالم ينتهي بمحاصرة الصين وتفكيكها وابتلاع آسيا.

انقلب الحلفاء إلى أعداء وتمظهرت طالبان والقاعدة بمظهر أعداء الحضارة في الآلة الإعلامية الغربية، بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر التي قيل فيها الكثير واشترك فيها المدبّرون الكبار لإدارة دفة الصراع نحو افق جديد، بعد الظن بأنّ التفكك الذي حدث وخرجت منه روسيا الاتحادية منهكة القوى منهوبة الثروات وقد تحوّلت بفضل ابراهيموفيتش الشهير والمافيا الروسية المصنوعة إلى الغرب، كان الظنّ بأنّ روسيا لن تشهد إلا توَهاناً طويل الأمد لا تخرج منه إلا إلى صرعات داخلية دموية تمّت محاولة إشعالها كثيراً.

في الإتجاه الآخر كان التخبّط الأكبر من نصيب تنظيم القاعدة الذي تمّ احتواؤه واختراقه، ليمثل صورة قاتمة ودموية بعد التحوّل إلى العراق ليتطوّر إلى ما شهدناه تحت مسمّى «الدولة الاسلامية في العراق والشام» رغم انها قد وصلت ليبيا ومصر وتونس، وقد تظهر في اماكن اخرى.

لم يفكر القادة الحقيقيون للتنظيم الأول أو لعلهم فعلوا وهم يتجمّعون الآن في ما يسمّى «جبهة النصرة» كيف تكون بيئة وطن محتلّ بشكل بربري جسّدته أحداث سجن أبوغريب الصادمة والانتهاكات العديدة التي وقعت في العراق إبان فترة الإحتلال الأميركي، وهي موجهة وترمي إلى صنع بيئة حاضنة للعنف الأعمى الفاقد للمسار والهدف بفضل النقشبندية وغيرها توجه إلى المعاني الإنسانية والآثار الحضارية في المنطقة لهدم كلّ قيمها النبيلة وتلطيخها بالدماء والمجازر بلا أفق واضح أدّى إلى جلب الإساءة للدين الاسلامي الحنيف، وهو أحد أهداف صناعة هذا الواقع المزري الذي شرّد الملايين وهدم العمار والأفكار، ليفرز روحاً همجية وبربرية لا تعّي مصالح أوطانها، ولم تكن يوماً ضمن تصوّر المجتمعات العربية المسالمة. انخرط تيار آخر كبير يمثل الإسلام السياسي في الحرب على الدولة السورية، وبتحالف مع نفس الجهات التي موّلت ودعمت تنظيم القاعدة سابقاً، وعلى خلفية الصراع مع القوميين العرب الذين قدّموا التضحيات الأولى في الصراع العربي الاسرائيلي، افرغ الإخوان كلّ شعورهم بالمرارة دفعة واحدة، بعد أن وجدوا السند والمموّل الذي يسير حثيثاً نحو المشروع الصهيوني الذي يستند بدوره على الانقسام العربي والتصادم الداخلي لدول المحور المواجهه له.

لم يقرأ الإخوان هذا ولا محاولات الكيان الصهيوني للعب بأوراق جبهة النصرة في الجولان وتحويلها إلى جيش لحد جديد، وسار في ذات المسار الذي لا يربط الدين بقضايا الناس الحقيقية وبالقيم الإنسانية، التي كانت من صميم الدين وتحوّلت إلى اللهث وراء مكاسب وقتية زائلة، صرفت في المهاجر على حساب الأوطان التي أديرت ضدّها الصراعات التي أول ما ضربت ضربت الشواهد على حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه، من خلال هذه الاضطرابات في مخيمات وجودهم على الأراضي المجاورة، اسوة بما حدث في أيلول الاسود في الاردن، كما حدث الآن في مخيم اليرموك المدينة الدمشقية الفلسطينية التي هدمها «داعش» والنصرة في صراعهما المرير، ولعلّ كلّ هذا يكون كافياً ليبيّن أنّ هذا المسار خاطئ تماماً، وأنه شوّه القضايا العربية والإسلامية، وأن تتمّ مراجعته بدلاً من تلقي الأوامر الجاهزة وتنفيذها، أو الانسياق وراء دعاية إعلامية لم يكن يوماً من يديرها يوجّهها في الإضاءة على قضايا العالم العادلة من فك احتكار وتسلط الراسمالية العالمية على شعوبنا واراضينا.

ومن المؤكد والواضح أنّ هذا المسار الذي انجرفت إليه العديد من التيارات الدينية وقد يكون السياسية لا يؤدّي إلا إلى صناعة تاريخ الهزيمة الكبير لهذه المشاريع العمياء إلى ما لا نهاية. وأن يتمّ اعتماد أنّ الربيع الفعلي هو التوافق على ثوابت وطنية هي فقط سيادة الأوطان وحرية الانسان والقبول بالآخر شريكاً دون تطرف أو إقصاء لمحاولة تعويض النزيف الهائل مادياً وبشرياً ليتوقف هذا الحريق الذي فجر كلّ هذه الأحزان ويزهر ربيع أوطان ترتفع بمقام الانسان، ويجب ألا ينسى الجميع أنّ هناك مشاريع كبرى موازية ومانعة لأحلام وتطلعات شعوبنا المشروعة، تدار في المنطقة من قبل قوى كبرى يجب أن نستبصرها ونحن نقيّم توجهاتنا السياسية والفكرية دوماً، وإلا سنقع دائماً في مطبات ومنزلقات خطيرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى