أخيرة

الأمل بالجودة

} لواء العريضي

شذّت الأحزاب اللبنانية عن الدور الصحيح الذي وُجِدت الأحزاب عامةً للقيام به. ورسّخت ارتباط الطائفية بالسياسة بممارستها حرفيّاً واستقرّت عند الديمقراطية التوافقية الطائفية التي تسمّى زوراً «ديمقراطية». وزادت قناعة الأفراد أنّ الطائفة هي الممثّل والراعي الحقيقي للمصالح والحقوق. لكن كما ذكرنا الأسبوع الماضي، للأحزاب دور أساسي في بناء المجتمع وإرساء مفهوم المواطنة وتكريس الديمقراطية، سنثني اليوم على هذا الدور من خلال تناول جدليّة الكمية والنوعية أو الجودة وتكريسها لخير المجتمع من قبل الأحزاب والمنتمين إليها.

ففي لبنان كما نعلم غالبية الأحزاب طائفية والوتر الطائفي الغرائزي هو السائد والمحرك الأساسي في اللعبة السياسية. ومثل أي تجمّع أفراد، تكمن قوّة كلّ تنظيم بعدد أفراده وفعاليته في المجتمع وقدرته على التأثير في القرار السياسي وكلّ ما يمسّ الشأن العام. فالعدد مهمّ وله التأثير المباشر في الوصول للسلطة وهذا العدد عندنا ديمغرافي طائفي في الأساس فكلّما زاد عدد الطائفة زادت قوتها على الساحة المحلية. وفي لبنان مهما كَبُرَ العدد لا يصل بقوّته إلى مستوى المنفعة الوطنية لأنّ رضى الطائفة أولاً ثم الله ثم الوطن، ومصلحة طائفة معينة لن تتوافق والمصلحة الوطنية أبداً.

والكلّ يعلم أنّ في كلّ حقبة زمنية كانت تبرز طائفة معينة يكون لها التأثير الأكبر والقول الفصل في الشأن الداخلي. ودون أيّ تردّد نتوافق على أنّ المصلحة الوطنية العليا لم تكن في الحسبان حتى ولو كانت متوازية مع مصلحة الطائفة لمدة معيّنة. هذا التعليل هو للتأكيد على أنّ المنطق الطائفي الذي ما زال الجميع يحميه لم يثمر خيراً للبنان على الإطلاق. والبداية في تصحيح الإعوجاج اللبناني لا شكّ أنه يبدأ على مستوى الفرد أولاً، ومَن غير المنظمات الشبابية والطلابية قادر على القيام بهذا العمل. فكما قلنا الأسبوع الماضي، إنّ وجود أحزاب علمانية جامعة جديدةً كانت أم قديمة هي الأَوْلى بالمعروف. والخطوة الأُولى تبدأ بالعمل على «النوعية لا الكمية».

إذا كان في كثرة العدد مكاسب، فغالباً ما تأتي على حساب النظام والسمعة. وعادةً، الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤمّنها الأحزاب، وهذا بالتأكيد من حساب الدولة، تكون السبب الأساسي بالانضمام إليها أو تفضيلها على غيرها. وعند زوال هذه الخدمات يزول الولاء لهذا الحزب، فالعامل الاقتصادي يأتي ثانياّ بعد الطائفي. فتلاشي القاعدة الشعبية عند الأزمات أبرز نقاط ضعف الكميّة الهشّة. هذا غير الإخلال بالأخلاق وقيمها الذي يمكن أن يجرّ تنظيم معيّن الى أماكن بغنى عنها لا تشبهه بسبب كثرة الأعضاء غير المنضبطين وغير المدركين للأفكار الأساسية التي يمثلها تنظيمهم، فيشوّهون سمعته إن كان عن طريق التورّط بالأعمال المخلّة بالأمن، والإزعاج، أو بالانجرار الى التصريحات الغرائزية الفتنويّة في المجتمع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، فيصبح كلامهم كُنْيةً يُعايَرُ عليه كلّ المؤيدين لتيارهم ويسخر منه الصديق قبل الخصم.

نرى دائماً حفلات القسم الجماعي عند أغلب الأحزاب حيث تضمّ أحياناً المئات من المنتسبين الجدد. وكلما كان الحفل يضمّ عدداً أكبر كلّ ما كان نجاحه أكثر إذ أنّ مقياس النجاح هو العدد دائماً، وهذا دليل على اندثار أهمية: «الإنسان» بالنسبة لهذه الأحزاب.

إنّ الجودة هي الأساس، قلّة قليلة منظمة قادرة على التغيير الفعلي تعمل على الفرد أولاً لتصل الى ما يسمّى «شخصية التنظيم»، فتتوحّد بروابط متينة يكون تقدّمها فعّالاً ورصيناً للتزامن مع «شخصية المجتمع». هذه الجماعة نشبّهها بالمدرسة، حيث كلّ تلميذ يتلقى الاهتمام الخاص الكفيل بتأكيد نجاحه ونبذه الموروثات السامة. عندها يكون الانتساب قناعة الفرد لتتميم مهامه الاجتماعية لا بسبب مصالح آنية. وهذا اسمه انتماء لا انتساب!

كُتب التاريخ بأفراد آمنوا بنفسهم فخلّدوا أسماءهم وغيّروا مجرى الأحداث. فلا تخافوا من عددٍ كبيرٍ إذا جمعته مشاعر عصبيّة طائفية، ولا تستهينوا بقدرة الفرد إذا آمن وجَدَّ، ولكن تفاءلوا إذا التقيتم مجموعة أفراد متناغمة نظامية واضحة الانتماء في كلّ واحدٍ منهم إيمانٌ يكسر الحواجز المذهبية والمشاعر العصبية.

ختاماً، على طريق التوسّع أفقياً لا بدّ من التوقف قليلاً في كلّ حين لصقل النفوس وإعادة تأهيل الأفراد لضمان التقدم. ويبقى السؤال دائماً، هل نريد الكمية أو نهتدي بالجودة والنوعية؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى