أخيرة

ندوة حول «تجربة المنظمات الإنسانية: مؤسسة عامل الدولية أنموذجاً» في معرض بيروت للكتاب مهنا: غرض العمل الإنساني تحرير المجتمع من كلّ أشكال التبعية والاستعمار الجديد

أقام النادي الثقافي العربي، في سياق أنشطة الدورة الخامسة والستين لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب، ندوة بعنوان «تجربة المنظمات الإنسانية: مؤسسة عامل الدولية أنموذجاً» للدكتور كامل مهنا رئيس مؤسسة عامل الدولية ومنسق عام تجمع الهيئات الأهلية التطوعية اللبنانية والعربية، بحضور حشد من الفعاليات الثقافية والاجتماعية وأصدقاء «عامل» إلى أعضاء من الهيئة الإدارية وفريق من العاملين والمتطوعين في المؤسسة.
قدم الكاتب والناشر سليمان بختي للندوة، بكلمة تناول فيها محطات حياة الدكتور كامل مهنا، وأبعاد فكره العقلاني وأثر أعماله، وتحقق شروط النهضة فيه، من شغف بالعلم والمعرفة والنزاهة الفكرية والأخلاقية والوطنية، والالتزام العميق بالإنسان والمجتمع وتقدّمه وإصلاحه، ويقين راسخ بالرهان على الأمل، واصفاً إياه بأنه يحمل رسالة نبيلة في زمن ندرت فيه الرسالات وقلّ فيه الرسل، قائلاً: «قوّته أنه راهن على الإنسان ونجح، وراهن على المؤسّسات ونجح، وراهن على الإيجابية ونجح، وراهن على التواضع فارتفع»، وأضاف: «ينطلق كامل مهنا من الأرض ومن الذاكرة ومن القيَم التي تبني الإنسان، وينطلق من رؤية عقلانية بعيدة عن ثقافة القمع والتفكير السلبي، وقائمة على الحق. لذلك يريد أن تبقى «عامل» تجربة ديمقراطية لبناء وطن ومواطن».
بدوره ناقش مهنا في محاور الندوة جدلية دور المنظمات الإنسانية ومسار نشوئها وعلاقتها بالدولة والمجتمع في لبنان، كما عرض لتاريخ المنظمات الإنسانية حول العالم، التي مرت بمجموعة مراحل مفصلية أثرت في تكوينها ودورها، بداية مع مرحلة التبشير الكولونيالي، حيث تميّز العمل الإنساني بطابع إحساني وفوقي، يخدم الأجندة الاستعمارية، ويتمظهر من خلال الإرساليات التبشيرية (خصوصاً في أفريقيا وآسيا). تلتها فترة العمل الملتزم والنضالي والمتضامن مع قضايا الشعوب العادلة، في الستينيات والسبعينيات، وشهدت تلك الحقبة، التي نشأت «عامل» في خضمّها، التزام المنظمات الإنسانية بقضايا الفئات الشعبية وفي المقدمة القضية الفلسطينية، في ظلّ تصاعد حركات التحرر الوطني آنذاك.
وأشار مهنا إلى أنه نتيجة لانهيار الاتحاد السوفياتي وهيمنة القطبية الأحادية بقيادة الإدارة الأميركية، واعتماد سياسة اقتصاد السوق وتراجع دور دولة الرعاية، برزت مرحلة الاتجار بقضايا الفئات المهمشة، في ظل تراجع دور الأحزاب اليسارية في العالم، فاعتُبرت منظمات المجتمع المدني قطاعاً ثالثاً بعد القطاعين العام والخاص، واختصر المجتمع المدني بالمنظمات غير الحكومية، التي أخذت تتكاثر بشكل فلكي، والتي حوّلها الأكاديميون الذين ينظّرون لأصحاب القرار، إلى هيئات مناصرة، بعد أن كانت في معظمها ذات طابع إحساني، وأسندت لها أدوار في الصحة والتعليم والتنمية التي هي بالأساس من مسؤوليات القطاع العام. ولقد بات العمل الإنساني في هذه المرحلة مهنياً، تقنياً، يلتزم قسم كبير منه بـ «أجندات» الجهات الممولة، والتي غالباً ما لا تكون في مصلحة الشعوب العادلة، عبر انتشار Charity business – Bongo – business oriented nongovernmental organizations، فبات هاجس العديد من المنظمات الإنسانية، عبر خطاب جغرافي – قطاعي، السعي بشكل أساسي لتأمين بدلات العاملين، وتوفير الموازنات للأمور الإدارية التي أخذت تتضخم أكثر فأكثر. ونتيجة لذلك الانحدار نشهد حالياً مرحلة نزع صفة الاستعمار عن العمل الإنساني، وهي مرحلة لاستنهاض واستعادة بوصلة العمل، في مواجهة الظروف الصعبة التي تسبّبت بها السياسات النيوليبرالية المتوحشة، لكي يعود العمل الإنساني، كما كان في الستينيات والسبعينيات، تغييريّاً ونضاليّاً ومتضامناً مع قضايا الشعوب العادلة وفي مقدمتها قضية فلسطين المركزية.
وأكد مهنا أنّ «عامل» التجربة المدنية غير الطائفية، التي ولدت من رحم النضال التحرري في مرحلة السبعينيات، هي حركة اجتماعية تغييرية، ترفع شعار تحرير العمل الإنساني من الاتجار به، ومن الاستعمار الجديد، كي يكون إنسانيّاً بالفعل، بما في ذلك من سعي على المستوى الدولي، عبر حركة «عامل» الدولية المتمثلة بفروعها المختلفة، وعبر التحالفات والقوى الشريكة، ومنصات العمل الإنساني التحرري، لمواجهة سياسة ازدواجية المعايير التي برزت بشكل صارخ في التعامل مع عملية الإبادة التي تتعرض لها غزة، حيث تعتبر «عامل» أن الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة هو أمر في جوهر أي عمل إنساني، إضافة إلى العمل من أجل توزيع عادل للثروات، وتمكين المجتمعات المهمشة والمحرومة، ومنحها الفاعلية لتقرير مصيرها.
كما اعتبر أنّ «عامل» شكّلت أنموذجاً ملتزماً، ممتداً من لبنان إلى باقي العالم، حتى أصبحت من بين أوائل المؤسسات الإنسانية في دول الجنوب التي لها امتدادها الواسع في دول الشمال، مشيراً إلى التزام المؤسسة بتوفير المساندة للناس، متمسكة بثقافة التضامن وليس الشفقة، وعاملة على توفير مقومات الكرامة الإنسانية، ضمن مختلف المناطق، عبر 30 مركزاً، وستّ عيادات نقالة، ووحدتي تعليم جوالتين، ووحدة حماية خاصة بأطفال الشوارع، منتشرة في معظم الأراضي اللبنانية، بقيادة 1500 متفرغ ومتطوع، وموزعة بين عين الرمانة والشياح وعرسال وكامد اللوز والعرقوب والأشرفية وبرج حمود ومناطق أخرى، حيث الإنسان هو الهدف والمحرك في كل أمر، وتحت شعار «التفكير الإيجابي والتفاؤل المستمر». وهي اليوم مرشحة للسنة الثامنة على التوالي لنيل جائزة نوبل للسلام.
وختم مهنا بالقول إنّ «دور المنظمات الإنسانية هو المشاركة في حركة التغيير الاجتماعي، عبر تمكين الناس ليأخذوا مصيرهم بأنفسهم، ولذلك فإنّ خطة «عامل» تتضمّن تقديم الأنموذج في إيجاد الحلول المستدامة، حيث تتولى المؤسسة تقديم أفضل البرامج والخدمات التنموية لبسطاء الناس، في مقاربة تقوم على الكرامة الإنسانية، في أكثر المناطق تهميشاً، لأنّ تأمين الوصول إلى الحقوق الأساسية يتطلب تضامناً عالميّاً وتحمّل مسؤولية من قبل صنّاع القرار والمؤثرين، كما يتطلب تقديم الأنموذج الناجح الذي يحتذى به، وهذا ما انشغلت «عامل» ببنائه خلال مسيرتها في لبنان وحول العالم».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى