الوطن

ثلاثة أسباب لتأجيل الاستشارات والأزمة مستمرة…

} حسن حردان

حصل ما لم يتوقعه الكثيرون.. تأجلت الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلف تشكيل حكومة جديدة، وجاء التأجيل من قبل رئيس الجمهورية في اللحظة الأخيرة لبدء الاستشارات صباح أمس، أيّ قبل ربع ساعة، وتقرّر تحديد موعد جديد لهذه الاستشارات يوم الخميس المقبلبناء على طلب الرئيس سعد الحريري، الذي طلب تدخل رئيس مجلس النواب نبيه برى لإقناع الرئيس ميشال عون بقبول التأجيل لمدة أسبوع أو أكثر، فكان ان قبل بتأجيل لمدة ثلاثة أيام لأن البلاد ستدخل بعدها في أعياد الميلاد ورأس السنة ولا يريد أن تتأجّل الاستشارات إلى العام المقبل

لكن السؤال الذي يطرح هو: ما هي الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي دفعت الرئيس الحريري إلى الإلحاح على الطلب من الرئيس عون  تأجيل الاستشارات مرة ثانية، على الرغم من انّ كلّ الاستعدادات كانت قد أجريت لبدئها؟

في هذا السياق هناك ثلاثة أسباب:

السبب الأول: من خلال متابعة مواقف الكتل النيابية عشية الموعد الذي كان مقرّراً لاجراء الاستشارات، كانت تؤشر إلى أنّ الرئيس سعد الحريري كان سيجري تسميته بنحو 71  صوتاً، إلا أنّ عاملاً مفاجئاً حصل فجراً وهو إعلان كتلة «القوات اللبنانية» انها لن تسمّي الرئيس الحريري ما أدّى إلى خفض عدد الأصوات التي من المرجح ان يحصل عليها الحريري إلى 56 صوتاً، وهو رقم هزيل غير مسبوق منذ بدء تشكيل حكومات ما بعد تطبيق اتفاق الطائف.. وهو الأمر الذي سيظهر الحريري انه لا يحظى بأغلبية نيابية وازنة مما يجعل منه رئيساً مكلفاً ضعيفاً.. ولهذا أراد التأجيل لمعاودة إجراء المشاورات لضمان حصوله على عدد معقول من الأصوات..

السبب الثاني: انّ قرار «القوات» المفاجئ الحريري، يأتي بعد قرار تكتل لبنان القوى عدم تسميته أيضاً، يفقد الحريري الغطاء المسيحي في تسميته ويجعل منه رئيساً مكلفاً لا يحظى بتأييد وطني

السبب الثالث: يعود، حسب المراقبين والمحللين، الى أنّ الرئيس الحريري قرأ في موقف القوات تحفظاً سعودياً أميركياً، وأنّ الرئيس الحريري يريد تأجيل الاستشارات لمعرفة الموقف الأميركي مباشرة من المسؤول في الخارجية الاميركية ديفيد هيل الذي سيزور بيروت.. ومعروف انّ استقالة الرئيس الحريري تمّت بضغط أميركي، وحسب مصادر مطلعة فإنّ واشنطن أبلغته انه ستدعمه للعودة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة يختارها هو مع حصولها على صلاحيات استثنائية، تنفيذية وتشريعية، لتجري انتخابات مبكرة وفق قانون جديد يمكّن قوى 14 آذار من استعادة الأكثرية النيابية..

لكن ما هو المتوقع ان يحصل حتى يوم الخميس؟

جميع المعطيات تشير إلى أنه لن تكون هناك تطورات جديدة تخرج البلاد من أزمة التكليف ومن ثم التأليف وتضعها على سكة الحلّ، في ظلّ غياب الاتفاق على نوعية الحكومة وبرنامجها السياسي الاقتصادي المالي والاجتماعي.. وما يعزّز عدم الاتفاق انّ الرئيس الحريري لا يزال على خلاف مع الأكثرية النيابية، بسبب إصراره على عدم تشكيل حكومة غير حكومة تكنوقراط، وهو ما أبلغه أحد المقربين منه إلى وكالة «رويترز» عشية تأجيل الاستشارات..

في حين انه ليس من المتوقع ان يتحسّن موقف الحريري، بل انه يزداد ضعفاً نتيجة ارتفاع الأصوات في الشارع الرافضة لإعادة تكليفه تشكيل الحكومة باعتباره جزءاً من منظومة الفساد، وأنّ القوات اللبنانية لن تغيّر موقفها من عدم تسمية الحريري لأنها تريد أن تظهر، نفاقاً، على أنها تتماهى مع موقف الشارع في هذا الأمر، لتعود وتبدّل رأيها في البرلمان كما أبلغت الحريري

من هنا فإنه ما لم تحصل تطورات تجعل الرئيس الحريري، ومن ورائه واشنطن، يتراجعان عن الاعتراض على تشكيل حكومة استناداً إلى اتفاق الطائف، ايّ حكومة تكنو سياسية تعكس التوازنات النيابية وترضي الشارع ويكون برنامجها مستقى من مطالب الناس ويعتمد الإصلاح الوطني بعيداً عن شروط صندوق النقد والبنك الدوليين واجتماع باريس للدول المانحة، سنكون يوم الخميس أمام نفس الواقع الذي دفع الحريري إلى طلب تأجيل الاستشارات..

لكن ما لفت الأنظار ان من كان يضغط على رئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات ويتهمه بأنه يخالف الدستور بعدم تحديد موعدها، بات اليوم هو من يضغط ويطلب منه تأجيل الاستشارات، وبعض مجموعات الحراك التي كانت تتظاهر على الطريق إلى بعبدا لمطالبة الرئيس بالإسراع بالاستشارات، أصبحت تمتنع عن ذلك بل تلجأ إلى إثارة أعمال العنف والتخريب عشية الاستشارات من أجل تعطيلها.. ولهذا فإنّ الكرة انتقلت الى ملعب الحريري وحلفائه وبعض مجموعات الحراك التي تضبط خطواتها وتحركاتها على الإيقاع الأميركي.. في سياق سعيها إلى استغلال الحراك الشعبي وحرفه عن مساره السلمي المطلبيمن هنا يجد الرئيس الحريري نفسه في مأزق غير مسبوق لأول مرة منذ عام 2005، فلا هو يضمن تكليفه بأغلبية يعتدّ بها ولا يحظى بغطاء شعبي وسط ارتفاع الأصوات في الحراك التي تحمّله المسؤولية بالتساوي مع بقية أطراف الطبقة السياسية المتهمة بالفساد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى