أولى

الطبيعة الاستراتيجية للصراع
على الغاز والنفط اللبنانيين…!

 محمد صادق الحسيني

1 ـ على الرغم من أنّ مساعد وزير الخارجية الأميركي، ديفيد هيل، الذي سيزور لبنان يوم غد الخميس، 19/ 12/ 2019، يمثل قوة عظمى هي الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنّ وزنه ليس أكثر من وزن الريشة، مقارنة بوزن الزائر الآخر، الذي سيزور المنطقة (إسرائيل) الشهر المقبل.

ذلك الزائر هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سيقوم بالزيارة للمشاركة في تدشين نصب لمقاومي لينينغراد وآخر لضحايا النازية من اليهود حسب التسريبات الإسرائيلية، الأمنية والصحافية.

2 – ومن أجل فهم دوافع وأبعاد هذه الزيارة تجب العودة الى سلسلة الغارات الجوية الإسرائيلية، التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي على عشرات الأهداف داخل الأراضي السورية، بتاريخ 20/9/2019، كما تجب العودة الى تصريحات وزير الخارجية الروسي، الذي صرّح في اليوم التالي لتلك الاعتداءات قائلاً: إن هذه الاعتداءات تعتبر خرقاً لسيادة سورية ودول أخرى ووحدة أراضيها (الدول).

ان هذه التطورات، التي ترفضها روسيا، هي من أكثر المواضيع إثارة للقلق في روسيا.

كما أنها لا تؤدي الا الى زيادة حدة التوتر في سورية والدول الأخرى المجاورة، بالاضافة الى كونها تتعارض مع الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار والحلول السياسية للأزمة في سورية.

3 – بعد ذلك بحوالي أسبوعين، وبالتحديد يوم 7/12/2019، أجرى نتن ياهو اتصالاً هاتفياً مع الرئيس بوتينهدفه تهدئة غضب بوتين” (من جراء الغارات الجوية الإسرائيلية المذكورة أعلاه) حسب مصادر استخبارية إسرائيلية. ونتيجة لفشله في ذلك قام نتن ياهو بدعوة الرئيس الروسي لزيارة

«إسرائيلللتباحث في الوضع والموضوعات ذات الصلة.

4 – لذلك فإن من المؤكد أن زيارة بوتين ليست زيارة مجاملة، لا لنتن ياهو ولا للإسرائيليين، وإنما هي زيارة إشعال الضوء الأحمر في وجه قادة الكيان كلهم جميعاً. ضوءاً أحمرَ يقول لهم: لا تعبثوا بالأمن الاستراتيجي للمنطقة وإلا…!

وهو الأمر الذي اتضح من خلال تركيز لافروف، في تصريحه تعليقاً على الغارات، على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في سورية ودول الجوار.

5 – وعلى الرغم من جهود نتن ياهو لاسترضاء الرئيس بوتين ومحاولات التخفيف من الغضب الروسي إلا أن ذلك لا ولن ينطلي على الرئيس بوتين والقيادة الروسية، وذلك لأن الاعتداءات الإسرائيلية تقوّض الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تهدد النجاحات والمصالح الاستراتيجية الروسية فيها، في الوقت الذي يعتبر لبنان جزءاً لا يتجزأ من فضاء المصالح الروسية الاستراتيجية في المنطقة (الشرق الأوسط).

6 – علماً أن أهمية لبنان، في ما يتعلق بالمصالح الروسية، تنبع من أن النفط والغاز في شرق المتوسط هما جوهر الصراع الدولي الدائر حول المنطقة. ذلك الصراع الذي تمكّن من خلاله محور المقاومة، وبدعم وتنسيق عسكري مباشر مع روسيا، من منع الولايات المتحدة الأميركية من فرض هيمنتها على ثروات النفط والغاز هذه. وبالتالي منعت إلحاق الضرر بقدرات روسيا التنافسية في أسواق الطاقة الدولية، كما منعت تحكم الولايات المتحدة بمصادر الطاقة، في منطقةالشرق الأوسطغرب آسيا، بشكل مطلق ضماناً لأمن الطاقة في الصين، التي تستورد قسماً كبيراً من احتياجاتها في قطاع الطاقة من منتجي هذه المنطقة الحيوية.

7 – وعليه فإن الفقرة الأقوى من رسالة الرئيس بوتين، الى نتن ياهو ورهطه، حسب جنرال / احتياط / في سلاح الجو الإسرائيلي، ستقول: إن الأولوية دائماً للمصالح العليا الروسية وليس أمنكم. لذا يمنع عليكم العبث في الساحة السورية والدول المجاورة.

وبما أن لبنان هو إحدى دول الجوار السوري، فإن التحذير الروسي يشمله أيضاً، خاصة أنه دولة ذات سيادة، تدافع عن حقوقها الثابتة في ثروتها الوطنية براً وبحراً وفِي كل المجالات. علماً أن منطلقات المواقف الروسية في دعم سورية ولبنان وغيرهما من دول المنطقة تختلف جذرياً عن المنطلقات الأميركية. إذ إن الهدف من هذا الدعم هو إنهاء الهيمنة الأميركية وليس استبدالها بهيمنة روسية، وإنما بتعاون دولي وثيق، وعلى مختلف الأصعدة. تعاون يستند الى القانون الدولي والى المنفعة الاقتصادية المتبادلة، مما يؤدي الى ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني في منطقة تمتد من سواحل البحر الأبيض المتوسط الشرقية وحتى سواحل المحيط الهادئ الغربية، أي حتى حدود الصين وروسيا على ذلك المحيط.

8 – إذن فإن الحديث هنا يدور عن مصالح استراتيجية كبرى، تشمل جزءاً واسعاً من العالم، سيكون مشروع طريق واحد حزام واحد الصيني العملاق إحدى آليات تحقيقها (المصالح).

من هنا يأتي القرار الروسي الحازم، بمنع قائد القاعدة العسكرية الأميركية في فلسطين (حكومة تل أبيب)، من العبث بأمن ومصالح الدول المجاورة، ومصالح الدول الكبرى والقوى الإقليمية المتعاونة معها، تحت أي ظرف من الظروف.

وبكلمات أوضح، فإن ذلك يعني انتهاء الدور الوظيفي لـإسرائيل، في خدمة الولايات المتحدة، وبالتالي مزيداً من إضعاف دورها، سياسياً وأمنياً وعسكرياً. وفِي ظل هذه الظروف فإن غرف عمليات السفارة الأميركية والموساد الإسرائيلي، في لبنان، لن تكون قادرة على تحقيق أهداف المشروع الأميركي (الهيمنة المطلقة على المنطقة) حتى لو قام ديفيد هيل وغيره من المبعوثين الأميركيين بزيارة لبنان ألف مرة. فموازين القوى في الميدان واضحة تماماً، وهي لصالح حلف المقاومة، كما أنها غير قابلة للتغيير للأسباب التي نعرفها جميعاً.

ولا ينبئُك مثل خبير.بعدناطيبين،قولواالله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى