حديث الجمعة

مختصر مفيد مواجهة القرن

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران والإيرانيون لم يتنازلوا عن توصيف الإدارات الأميركية المتعاقبة بالشيطان الأكبر، ولم تتوقف الثقافة الإيرانية المؤسسة على العقيدة الدينية عن جعل معيار القضية العقائدية المحركة للسياسات مواجهتهم للهيمنة الأميركية على المنطقة، وفي قلبها الدعم الأميركي لكيان الاحتلال الذي يصفه الإيرانيون بالغدة السرطانيّة الواجب اقتلاعها.

أربعون عاماً ولم يغيّر الإيرانيون حرفاً من خطابهم، وبنوا استراتيجيات طويلة المدى لهذه المواجهة، كان دعم حركات المقاومة والتحالف مع سورية ركيزتها الإقليمية، والانفتاح التحالفي العابر للعقائد والديانات على روسيا والصين ركيزتها الدولية، وبناء أجيال مؤمنة بعمق بصدقية خيار الاستقلال وما يستدعيه من التمكن العلمي والاكتفاء الذاتي. وخلال الأعوام الأربعين حاول الأميركيون تطويع العقدة الإيرانية بكل الوسائل السياسية والاقتصادية بالترهيب والترغيب وحروب الوكالة، وفشلوا فشلاً ذريعاً، وبقي أحد خيارين، أن تخرج أميركا من المنطقة دون الحصول على صفقة تضمن أمن «إسرائيل»، أو أن تنزلق المواجهة إلى حرب.

خيار الخروج الأميركي بصفقة تضمن الأمن الإسرائيلي سقط قبل المواجهة الأخيرة، وكان وراء القرار الأميركي باغتيال القائد قاسم سليماني، الذي كان في أصله آخر محاولة لتطويع إيران وحلفائها بالترهيب برفع المواجهة نحو الحرب الشاملة. وجاءت لحظات المواجهة العصيبة والوقت الذي مرّ قبلها وخلالها وبعدها، فقالت إن واشنطن التي تعهّدت بردّ الضربة الإيرانية وجدت في إعلانها عدم وقوع قتلى في صفوفها سبباً لعدم الردّ، والسبب الفعلي هو التعهّد الإيراني بردّ على العمق الإسرائيلي على أي رد أميركي على ضربتهم. والحصيلة ببساطة أن الأميركيين الذين كانوا يعلمون أنه لم يعد أمامهم سوى خياري الاستعداد للانسحاب دون صفقة تضمن أمن «إسرائيل»، أو المواجهة الشاملة، قاموا عن عمد بتعطيل فرصة الذهاب إلى المواجهة رغم أنها كانت أمامهم. وهذا يعني شيئاً واحداً وهو أنهم يفتحون الباب لصفقة من بند واحد هو كيفية الانسحاب من المنطقة.

بين هذا القرار وتنفيذه سيفعل الإسرائيليون وحكام الخليج ما سبق وفعلوه لدفع الأميركيين لإلغاء الاتفاق النووي، لدفع واشنطن للتراجع عن خيار الانسحاب، فيما البديل الوحيد المتاح هو العودة للمواجهة، والوقت الفاصل حاسم انتخابياً أمام الرئيس الأميركي، وإيران تحسن استثمار هذا الوجع كلما اقترب موعد الانتخابات. والمعادلة إما رئيس ينتخب مرة ثانية لأنه انسحب أمام إيران وغادر المنطقة، أو رئيس ينتخب لأنه تعهّد بأنه سيسحب قواته من المنطقة لأنه يريد تصحيح خطأ رئيس دفع بلاده نحو المواجهة مع إيران.

ناصر قنديل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى