أولى

إدلب في مواجهة المشاريع والاستراتيجيات المتناقضة؟!

 العميد د. أمين محمد حطيط*

 

لم يعد سراً أن إدلب باتت مسرحاً لأكثر من خطة ومشروع يواجه القرار السوري الحاسم باستعادتها إلى كنف الدولة. ففي مواجهة قرار التحرير المتخذ سوريّاً وعلى أعلى مستوى والذي يستحيل التراجع عنه مهما كانت المخاطر والضغوط من الأصدقاء والأعداء، ومهما كانت الصعوبات والتعقيدات المدنية العسكرية والسياسية، في مواجهة ذلك يبدو انّ لتركيا استراتيجية مناقضة تعتمد الخطوات المرحلية المتكيّفة مع الواقع مع البقاء مشدودة لسقف استراتيجي أعلى تجهد للوصول إليه. أما روسيا الحليف الظاهر لسورية في محاربة الإرهاب والشريك المعلن لتركيا في «رعاية العملية السياسية وتفكيك الإرهاب في سورية» عبر منظومة استانة، روسيا هذه لها استراتيجيتها أيضاً التي تلبّي بعض ما تبتغيه سورية حيناً، وتمرّر ما تطلبه تركيا حيناً آخر. وعليه يمكن أن نقول إنّ الدول الثلاث المتعاطية بشأن إدلب اعتمدت الاستراتيجيات التالية:

أولاً سورية: يتمثل القرار الاستراتيجي السوري بإنجاز التحرير الشامل لكامل منطقة إدلب وحتى الحدود التركية وتطهيرها من الإرهابيين الذين يتعدّى حجمهم الآن الستين ألف مسلح ينضوون في أكثر من 12 فصيلاً إرهابياً أساسياً أهمّها وأقواها جبهة النصرة التي تشكل وحدها ما يزيد عن نصف الإرهابيين في إدلب. اما الخطة العملانية السورية التي اعتمدت للتنفيذ فقد كانت نتيجة تخلف الظروف اللازمة لإطلاق معركة حاسمة ومتواصلة لتحقيق التحرير الشامل، لذا اعتمدت سورية خطة عملانية تقوم على أمرين: الأول يتمثل بالتحرير بالقضم المتدرّج مع ربط المناطق المحرّرة حديثاً بالمناطق التي سبق تطهيرها، أما الثاني فيتمثل بتوجيه ضربات نارية عقابية وتدميرية لقواعد المسلحين التي تستهدف مراكز الجيش أو المدنيين في المناطق المحررة. وتبدو إيران وكامل محور المقاومة في موقف حاسم يدعم سورية في مواقفها تاركاً لها حرية القرار والمناورة الميدانية مع الاستعداد لتلبية طلباتها.

ثانياً تركيا: تريد تركيا فرض السيطرة الفعلية على منطقة إدلب، وربطها لاحقاً بالمناطق التي تسيطر عليها في عفرين شمال غرب سورية والشمال أيضاً لإقامة حزام نفوذ تركي تتبعه بتغيير ديمغرافي على الأرض ثم تتريك المنطقة من دون تعديل رسمي للحدود، أيّ أنّ تركيا تريد الضمّ الفعلي للمنطقة والامتناع عن إعلان هذا الضمّ او تعديل الخرائط والحدود الدولية، في سلوك مخادع يتوافق ظاهراً وشكلياً مع مبدأ إقرار تركيا بوحدة الأراضي السورية. أما الخطة التنفيذية فإنّ تركيا تعمد الى منع سورية من حسم الوضع عسكرياً، وتطرح مشاريع شتى تخدم استراتيجيتها. لهذا فانّ تركيا تجد نفسها بحاجة الى روسيا لفرض هدنة او وقف إطلاق نار في كلّ مرة يتحرك فيها الجيش العربي السوري لقفزة او خطوة على درب التحرير، كما انها تطرح الآن إقامة منطقة آمنة غربي إدلب كما فعلت في الشمال، وتستمرّ في احتضان المجموعات الإرهابية وتمتنع عن تطبيق اتفاقات سوتشي واستانة الرامية الى تفكيك تلك المجموعات واستعادة الأرض تدريجياً ومرحلياً.

ثالثاً روسيا: تقوم استراتيجية روسيا في إدلب على الاستمرار في دعم سورية في التصدّي للمجموعات الإرهابية مع الاحتفاظ بعلاقات ممتازة مع تركيا في إطار استانة او على الصعيد الثنائي المباشر، والحؤول دون أيّ صدام عسكري مع أيّ من الأطراف المتحركة في إدلب وخارجها، وتقوم بتوجيه النار الروسية فقط للمجموعات الإرهابية، لذلك تقوم روسيا بتقديم الإسناد الناري الظرفي للجيش السوري بشكل مدروس ومقيد عندما يستهدفه الإرهابيون بنارهم أو عندما يكون بصدد تنفيذ قفزة تحريرية، وتستجيب لتركيا في إرساء هدنة او فرض وقف إطلاق النار استجابة لاستغاثة تركية مع تبادل التعهّدات معها بتطبيق اتفاق سوتشي الذي مضى عليه 16 شهراً حتى الآن دون أن يطبق منه شيئاً لا بل انه استعمل خدمة للمشروع التركي الخاص بإدلب بشكل او بآخر.

في ظلّ هذه الاستراتيجيات الثلاث، يطرح السؤال عن موقع ودور المجموعات الإرهابية في إدلب والتي هي بحجم 60 ألف تقريباً حتى الآن، سؤال يطرح بعد ان ظهر مؤخراً قائد جبهة النصرة في إدلب، (الجولاني) معلناً انّ وضع إدلب خطط له حتى يستمرّ على حاله بين سنتين و 3 سنوات، تمضيها المجموعات الإرهابية بين إغارة وتدمير موقع هنا او هناك تتبعه مواجهة مع الجيش ثم تكون هدنة ووقف إطلاق النار أيّ بكلّ بساطة يعلن الجولاني انّ ما سيعتمده الإرهابيون هو حرب استنزاف وإنهاك وتعطيل الحياة المدنية في المناطق المحررة المجاورة لمنطقة التجمع الإرهابي في إدلب مطمئناً الى أنّ معركة الحسم لن تقع خلال السنوات الثلاث المقبلة وهي المدة اللازمة لتركيا لتنفيذ كامل مشروعها الاحتلالي المقنع في سورية والذي بدأته فعلياً منذ نيّف وسنتين.

هذه الصورة تظهر بأنّ الإرهابيين في سورية عامة وفي إدلب خاصة لم يعد لهم مشروع سوري او أهداف في الداخل السوري بشكل مؤكد، وتحوّلوا في إدلب الى أداة شبه حصرية بيد تركيا تستعملهم خدمة لمشروعها الخاص في إدلب وفي كامل سورية، وأيضاً خدمة لاستراتيجيتها الإقليميةالدولية ولهذا نجد كيف انّ تركيا بدأت بنقل ما يلزمها من الإرهابيين في ليبيا من أجل تحصين موقع حكومة السراج المرتمية في الحضن التركي حيث نقلت منهم حتى الآن 4 آلاف إرهابي منهم 2000 سوري والباقي من جنسيات أجنبية عربية او غير عربية.

إنّ نجاح تركيا في خطتها في إدلب يشترط توفر الوقت اللازم للتنفيذ، ولهذا تعمل جاهدة على كسب الوقت ومنع الحسم السوري، ما يعني انّ الدفاع السوري في مواجهة العدوان التركي ينبغي ان يقوم أساساً على فكرة حرمانها من الوقت الذي تحتاجها ومنعها من إقامة المنطقة الآمنة وإفشال سعيها الى حرب الإنهاك والاستنزاف والتغيير الديمغرافي والتتريك.

وبالتالي ورغم مخاطر حرب التحرير الحاسمة وكلفتها على كلّ الصعد، فإنّ كلفة التأخير في تنفيذها ستكون أعلى، ما يفرض السير إليها بخطى متسارعة قد لا يكون فيها خروج عن استراتيجية القضم المتدرّج بشكل جذري بل يكون تسريع في الخطوات وتطوير لكلّ ردّ على عدوان إرهابي على موقع مدني او عسكري سوري بتطهير بلدة او منطقة او اكثر يتبعه تسويف وتأخير في وقف إطلاق النار. وهنا لا بدّ من التنويه بأنّ معالجة مسألة إدلب ستنعكس حلولاً للشمال ولعفرين وشمال الفرات، أما التمدّد والتجذر التركي في عفرين والشمال فإنّ من شأنه أن يعقد حلّ ما سبق ويجعل تركيا محتلاً دائماً لأرض سورية واسعة، سرعان ما ستخرج من محفوظاتها وثائق تعطيها الحق بالسيادة عليها كـ «العهد الملي» وسواه

*أستاذ جامعي وباحث استراتيجي.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى