الوطن

صفقة القرن ولحظة إعلانها «الاستراتيجيّة» بعد اغتيال سليمانيّ

} روزانا رمال

 

الفائدة الانتخابية لإعلان صفقة القرن بثائيتها الأميركية الإسرائيلية تثبت رسوخ الجذر الأساسي الذي يحكم العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تاريخياً، والأمر لا يتعلق هنا باسم مرشح محدّد بل بمجتمع قابض على زمام القرار وهو المجتمع السياسي الأميركي أو الفريق الذي يتحكم بوجهة الرأي العام وهو ليس نفسه الذي يمثل رغبات الشعب الأميركي وطموحاته؛ وهي رغبات لا تختلف عن باقي الشعوب التي لا تطمح إلى المزيد من العداوات ولا تطمح أيضاً إلى أي نوع من أنواع الحروب بل إلى استقرار وأمان اقتصاديّ.

ولأن الفئة التي تتحكّم بالنواة التي ترسم شكل السياسة الخارجية الأميركية هي جزء لا يتجزأ من صناعة السياسة الخارجية لـ»إسرائيل» فإن المشترك واحد أكان لجهة الحلفاء في المنطقة اي الشرق الاوسط او بالنسبة لاصدقاء من دول العالم او أولئك الذين تجمعهم مصالح معهم. وعلى هذا الاساس لا يمكن الحديث في اي وقت من الاوقات مثلاً عن قطيعة أميركية روسية على الطريقة الإيرانية. فهذه القطيعة وإن تمّت لأشهر محددة فلن تصل الى ما يعتبر موقفاً أميركياً معادياً لروسيا. فواشنطن تدرك تماماً ان في المنطقة هذه تحديداً يجب الحفاظ على أمن «إسرائيل» واستقرارها. وهذا لن يكون بعد اليوم بدون التنسيق مع روسيا وإن كلّف ذلك كسر الكثير من المحظورات الأميركية وبعض الهالات التي رسمها الرؤساء خصوصاً الجمهوريين منهم، بما يتعلق بعظمة الولايات المتحدة في هذا العالم وأحادية سيطرتها.

كل هذا ليس وارداً بعد التقدم الروسي في المنطقة من خلال الاستفادة من الأزمات التي تعيشها خصوصاً الأزمة السورية التي فرضت موسكو لاعباً كبيراً في رسم مصير الحل السياسي الأخير. وبالعودة إلى أمن «إسرائيل» فإن القطيعة الأميركية الروسية غير واردة لسبب أهم، فالخطر الاكبر على تل أبيب اليوم يأتي من طهران وروسيا هي القادرة على التواصل معها من أجل إرسال الاشارات المناسبة والتنسيق الدولي والإقليمي معها. وهذا الأمر فيه مصلحة إيرانية أيضاً، خصوصاً بعد رفض القيادة الإيرانية التواصل مع ادارة ترامب عكس ما جرى في ولاية الرئيس السابق باراك اوباما.

إن اعتبار الإعلان عن صفقة القرن او حصره بالانتخابات الأميركية الإسرائيلية فقط ليس منطقياً، لكن اعتبار نقطة الانتخابات أمر بسيط هو أيضاً تسخيف لما يمكنه أن تؤثر فيه هذه الصفقة على الرأي العام الأميركي والإسرائيلي وبداية مع الرأي العام الأميركي الذي يعتبر أن الزلزال الكبير قد بدأ باغتيال القائد الإيراني الكبير قاسم سليماني. وهو الأمر الذي بدأ يعرض الولايات المتحدة الأميركية وجنودها وعسكرييها وسفاراتها في المنطقة وفي كل العالم للخطر. وبالتالي فإن الخطوة الخطيرة التي أقدم عليها ترامب تعني بالنسبة للأميركيين الذين جابوا الشوارع وتظاهروا ضده المزيد من العزل والخسارة المدوّية فيما لو حصلت انتخابات في هذا التوقيت خصوصاً أن المحور الإيراني وحلفاءه يواصلون عملياتهم الانتقامية المعلن عنها وغير المعلن عنها عبر حلفائهم من القوى المقاتلة، خصوصاً الحوثيين عبر استهداف مصالح خليجية نفطية وعبر عمليات تقوم بها طالبان في افغانستان آخرها أسفر عن إسقاط الطائرة التي كانت تقل المخطط والمنفذ لاغتيال قاسم سليماني والقيادي في حزب الله عماد مغنية.

إعلان صفقة القرن بعد اغتيال قاسم سليماني هو تحفيز للوبي المؤيد لـ»إسرائيل» في الولايات المتحدة الأميركية لتلقف المشهد وتداعيات الاغتيال التي قد تنعكس سبلاً على ترامب لطمأنته أن واشنطن مستعدة للذهاب بعيداً الى جانب «إسرائيل» وأمنها ليس فقط بقتل سليماني وتحمّل تداعياته إنما بإعلان صفقة قد تحمل تداعيات واضحة المعالم في الشرق الأوسط، اضافة الى ان اعلان هذا التأييد من ترامب يحميه من أي سقوط او خسارة نقاط كانت لتتكفل بها عملية اغتيال سليماني، خصوصاً أن الملف الإسرائيلي وتحديداً الحفاظ على الأمن والاستقرار فيه يحوز أولوية الحزب الجمهوري وكذلك الديمقراطي.

إعلان الصفقة اذاً يؤكد على استراتيجية العلاقة وترابطها بين تل أبيب وواشنطن هذه المرّة وصولاً عند الخطوط الحمراء. فالأزمة الانتخابية الإسرائيليّة قد تعطي نتنياهو بإعلانها أملاً باستحواذ رضى اليمين المتطرف والأحزاب الدينية اليهودية ويكرسه المرشح الإسرائيلي الأقوى بعد حصوله على الدعم من الراعي الأكبر له الذي يؤمن حماية الكيان في كل الاتجاهات ومن كل السياسات.

من جهة أخرى، فإن إعلان الصفقة يأخذ وهج الحدث الكبير وهو الحساب الكبير الذي فتح بين أميركا وإيران على مصراعيه وفي كل الجبهات بعد اغتيال سليماني والذي أخذ المنطقة والعالم نحو ترقب غير مسبوق للردود الإيرانية السياسية والعسكرية إضافة لحلفائها الذين يعدون بانتقام كحق من بينهم حزب الله في لبنان، والذي وضع مصير ترامب الانتخابي على المحك لكن الإعلان بالمقابل يعطي ذريعة لحلفاء إيران للتحرّك باتجاه ردود فعل انتقامية مزدوجة ويعطي الفرصة لاشتعال انتفاضة كبرى بوجه نتنياهو قد توحّد الساحات العربية الشعبية التي عمل على تخديرها وانسياقها ضمن سلسلة العلاقات التي توالت بالأشهر الماضية والزيارات بين إسرائيليين وخليجيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى