اقتصاد

خطوة على طريق «مواجهة التحديات»…

} أحمد بهجة*

بعد نيلها ثقة المجلس النيابي الأسبوع الماضي بدأت الحكومة الجديدة تتلمّس خطواتها في رحلة الألف ميل على طريق «مواجهة التحديات» والتصدّي للأزمات الكثيرة المتوارثة والمستعصية على أكثر من صعيد اقتصادي ومالي واجتماعي، والأهمّ على صعيد المشاكل التي تعترض اللبنانيين في حياتهم اليومية.

المؤشر الإيجابي الأوّل كان من خلال مسارعة رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب إلى إلغاء قرار شركة طيران الشرق الأوسط باستيفاء ثمن تذاكر السفر بالدولار وليس بالليرة اللبنانية، خاصة أنّ عدم قبول العملة الوطنية يشكل جرماً جزائياً، وكذلك لأنّ القرار يخالف النص الوارد في قانون موازنة 2020 والذي يلزم الجميع التعامل بالعملة الوطنية.

وإذا كان التعاطي الحكومي المنسّق مع رئاسة الجمهورية إزاء معالجة قرار «MEA» يعطي نموذجاً جيداً، فإنّ المطلوب هو طبعاً أكثر من ذلك بكثيروانطلاقاً مما نراه واجبنا الوطني نبدأ بتقديم اقتراحات نعتقد أنّ اعتمادها يعزّز النموذج الإيجابي السالف الذكر، ويساعد كثيراً في «مواجهة التحديات» التي أعلنت الحكومة أنها ستتصدّى لها من أجل تحسين مالية الدولة وبالتالي تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحياتية لمجموع المواطنين.

الخطوة الأولى المقترحة على هذا الصعيد تتعلق بالهندسات المالية «السيّئة الذكر» التي بدأ المصرف المركزي بإجرائها منذ العام 2016، والتي كلفت بمراحلها المتتالية نحو 8 مليارات دولار (وهناك من يقول إنّ الكلفة وصلت إلى نحو 10 مليارات دولار)، وكان لها أكثر من هدف أهمّها تعويم بعض المصارف وتدعيم موجوداتها بعد تعرّضها لخسائر كبيرة في استثماراتها الخارجية، وكذلك رفد الاحتياطي بالقطع الأجنبي لدى مصرف لبنان بمبالغ إضافية تساعده في الاستمرار بدعم تثبيت سعر صرف الدولار الأميركي وإبقائه عند عتبة 1500 ليرة لبنانية.

على أنّ الخزينة العامة لم تستفد بأيّ شيء من هذه الهندسات، بل على العكس تماماً تكبّدت خسائر وتعرّضت للمزيد من الاستنزاف الذي تظهر نتائجه اليوم حيث انتهى مفعول الهندسات وصارت العملات الأجنبية شحيحة جداً ويتمّ تشديد التقنين في صرفها حتى لأصحابها الذين أودعوها في خزائن المصارف وبالتالي في مصرف لبنان، ما عدا بعض المحظيين من كبار المودعين الذين لا قيود على تحويلاتهم وسحوباتهم.

بينما حين حصلت هندسات مالية مشابهة في أكثر من دولة أجنبية تملّكت هذه الدول أسهماً في المصارف التي استفادت من الهندسات، كلّ بحسب نسبة استفادته، وباتت شريكة في الأرباح بعدما ساعدت المصارف على استعادة عافيتهاوهذا ما يجب أن يحصل في لبنان، حيث من حق الدولة أولاً أن تتخذ إجراء كهذا كونها أنقذت مصارف متعثرة وجعلتها تقف على قدميها مجدّداً، وساعدت مصارف أخرى على تدعيم أوضاعها والاستمرار في القيام بواجباتها تجاه المودعين والمقترضين على حدّ سواء.

إذنكما طلب رئيس الحكومة بالأمس من رئيس مجلس إدارة «ميدل إيست» إلغاء قراره باستيفاء ثمن تذاكر السفر بالدولار الأميركي والعودة إلى التعامل بالعملة الوطنية، يمكن له أن يوعز إلى حاكم مصرف لبنان باتخاذ التدابير اللازمة باستعادة أموال الخزينة التي تمّ دفعها للمصارف من خلال الهندسات المالية، وهي مسجلة بكاملها بطبيعة الحال في قيود المصرف المركزي كما في قيود المصارف المستفيدة.

المعروف أنه من المتعذر على المصارف في أوضاعها الحالية أن تسدّد هذه المبالغ نقداً. لذلك يمكن الاستفادة من تجارب دول خارجية مرّت بظروف مشابهة، بأن تتملّك الدولة عدداً من الأسهم في كلّ مصرف يوازي قيمة المساعدات والتسهيلات التي حصل عليها من المصرف المركزي.

بذلك تعطي الحكومة الجديدة برهاناً في غاية الأهمية على جدّيتها في التعامل مع حقوق الدولة وعدم السماح بحصول أيّ تفريط فيهاوتؤكد لمجموع اللبنانيين أنّ أداءها سيكون مختلفاً عن كلّ الحكومات السابقةوسوف تكون أولويتها الأولى مصلحة المواطنين وتصحيح أيّ خلل أدّى إلى ضياع حق من حقوقهم وحقوق دولتهم وخزينتها العامة.

*خبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى