الوطن

من قمة اللاءات الثلاث إلى التطبيع!

} جمال محسن العفلق

نصف قرن أو أكثر بقليل هو عمر آخر قمة عربية يمكن أن نقول عنها إنها تحدثت بشكل حاسم وحازم عن علاقة العرب بالكيان الصهيوني، في تلك القمة الشهيرة والتي عُقدت في العاصمة السودانية الخرطوم أطلق العرب ما عُرف حينها بـ «اللاءات الثلاث» (لا اعتراف لا سلام لا تفاوض مع الكيان الصهيوني) ومن مقررات تلك القمة كذلك إنهاء الحرب الأهلية القائمة في اليمن، وما حرب الاستنزاف وحرب تشرين الأول/ أكتوبر إلا نتيجة أو يمكن ان نقول إنها من نتائج تلك القمة الشهيرة، لأنّ وقع هزيمة حزيران كان ثقيلاً على الشعوب العربية  قاطبة وكان لا بدّ من مسح آثار تلك الحرب واسترداد الكرامة العربية.

اليوم نحن على بعد أكثر من خمسين عاماً من تلك القمة، فماذا أنجز العرب وماذا أنجزت جامعتهم العربية بعد نصف قرن على موقف يُحسب لهم في حينها؟

في منتصف السبعينات كسرت مصر قرارات القمة وصافح السادات الصهاينة ووضع يده بيد من ارتكب أبشع الجرائم بحق العرب واستكمل رحلته بزيارة للكيان الصهيوني ليقولوا عنه «بطل سلام»، ولكن من منظورهم فقط، فكيف يكون» بطل سلام» وهو الذي باع دماء الجيش المصري ودماء أطفال العرب من ضحايا المجازر الصهيونية؟ لتستمرّ رحلة الانهيارات العربية وينتشر وباء الصهيونية في مكاتب أكثر الحكام العرب والقمم العربية تنعقد وتخرج بقرارات للعلن، وما يفعله أعضاء الجامعة في السرّ مختلف تماماً، فكلّ نتائج القمم العربية التي أدانت بأشدّ العبارات الكيان الصهيوني كان يقابلها اتصالات سرية وتعاون واتفاقات هدفها إجهاض القضية وتمييعها لدرجة انّ المواطن عربي وصل لقناعة انّ مع كلّ قمة هناك هزيمة ما آتية لا محال.

لا يمكن إحصاء بيانات الجامعة العربية التي ادّعت انها تندّد بالعدوان الصهيوني ولا يمكن حساب تصريحات أمناء الجامعة العربي على مدار خمسين عاماً حول جرائم الكيان الصهيوني ولكن يمكن أن نرى النتائج الحقيقية على الأرض، فبعد آخر بيان لاجتماع الجامعة العربية الطارئ على مستوى المندوبين بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن صفقة القرن خرج رئيس مجلس السيادة السوداني ليعلن عن حرارة اللقاء بالقاتل نتنياهو، وما هذا الإعلان إلا شيء بسيط يحكي حقيقة مقررات الجامعة العربية، وطبعاً ما أعلنة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في السودان ما كان ليحدث إلا نتيجة حتمية لضغوط أميركية وخليجية عليه، فكيف نفهم انّ للسودان مصلحة بإرسال جنوده لقتل أطفال اليمن وهناك تقارير تقول انّ الجنود السودانيين سيتمّ إرسالهم الى ليبيا للاشتراك بالحرب هناك ولا يكون له مصلحة في مقاطعة الكيان الصهيوني؟

لم يقف الأمر هنا فقد سبق قرار السودان إعلان عبر تسريب صحافي انّ دولة الإمارات تعقد اجتماعات ثلاثية تضمّ بالإضافة لها الكيان الصهيوني وأميركا لمناقشة الخطر الإيراني والتحالف ضدّ ايران، وللتذكير في قمة اللاءات الثلاث كانت هناك سفارة للكيان الصهيوني في إيران لتأتي الثورة الإسلامية قبل 41 عاماً وتغلق السفارة الصهيونية في طهران في وقت فتح العرب للكيان الصهيوني سفارات ومقرات! وهنا علينا التوقف كثيراًهل بالفعل العرب هم أصحاب القضية أم هم تجار في القضية؟

الخيبات كثيرةفمن مقررات قمة الخرطوم إنهاء الحرب الأهلية القائمة في اليمن! واليوم من يدير الحرب على اليمن هم العرب وبتحالف عربي، حرب تكلفتها تجاوزت المليارات من الدولارات هدفها إبادة شعب بالكامل، استطاع تحالف العدوان على اليمن التمسك بقرار حصار الشعب اليمني وتدمير المستشفيات وقتل الأطفال، ولكن نفس دول التحالف لم تتمكن من تنفيذ قرار بسيط وهو وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني وعدم الاعتراف فيه.

وحتى لا نظلم الجامعة العربية فهناك قرارات تمّ تنفيذها على الفور وهي السماح للناتو بقصف ليبيا دعم الجماعات الإرهابية في سورية وتجميد عضوية سورية في الجامعة ومحاولة استبدال العلم السوري بعلم الانتداب الفرنسي على مقعد الجامعة بحجة دعم الربيع العربي وحصار الشعب السوري اقتصادياً وإغلاق كلّ المنافذ التي قد تسمح للسوريين بالبقاء ومن مقرّراتها أيضاً إبقاء العراق تحت الحصار ومقاطعة إيران بحجة أنها تدعم المقاومة وتجريم المقاومة في لبنان واعتبارها خارجة عن القانون وحصار غزة وحرمان الفلسطينيين من أبسط الحقوق ومنع المساعدات عنهم والإصرار على تسمية الكيان الصهيوني وقطعان المستوطنين بدولة «إسرائيل»! هذه هي باختصار قصة خمسين سنة بين قمة اللاءات الثلاث المشهورة وبين آخر اجتماع طارئ للجامعة العربية في مقرّها في القاهرة، وتبعه على الفور اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي كان إنجازه الوحيد منع وفد إيران من الحضور، ليخرج بنفس القرارات الرافضة لـ «صفقة القرن» ولكن على الطريقة العربية وهي حبر على ورق، ولهذا نجد انّ الجامعة العربية ليست أكثر من صندوق بريد يسوّق للوجود الصهيوني، وتمثل هذه الجامعة حقيقة الدول العربية، أو للإنصاف أكثر الدول العربية الصديقة للكيان الصهيوني وتمثل حقيقة انقيادها لسيدها في واشنطن…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى