الوطن

«الكابيتال كونترول»: «الحَجْر» الإضافيّ للودائع! جنون الأسعار يسحق المواطن ووزارة الاقتصاد عاجزة عن ضبطها…

} محمد هاني حميّة

لم يكن ينقص المواطن سوى «الحَجْر المنزلي» بسبب تفشي وباء «الكورونا». وهو المحاصَر منذ سنوات عدة وتحديداً منذ 17 تشرين الاول الماضي بسورٍ من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والمصرفية فضلاً عن مسلسل قطع الطرقات المتكرر في أكثر من منطقة

فهذا «الحَجْر» المتعدد الأوجه والأشكال سيليه «حَجْر مصرفي» إضافي يفوق نظام القيود المصرفية التي تفرضها المصارف على العملاء والمودعين في حال أُقرّ مشروع قانون «الكابيتال كونترول» في مجلسي الوزراء والنواب، بحسب النسخة المسرَّبة.

هذا المشروع أعدّته وزارة المال بالتنسيق مع جمعية المصارف والبنك المركزي، سيعرض على طاولة مجلس الوزراء في جلسته اليوم في بعبدا.

هذا «القانون» الجديد سيحتجز أموال المواطنين الى أجل غير مسمّى أقله 3 سنوات بحسب ما ورد في المشروع، بحسب الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين الذي أشار لـ»البناء» الى أن «مشروع تنظيم السحوبات والتحويلات كما سُرِّب تعتريه ثغرات عدة ويساهم في تعزيز الحماية القضائية للمصارف من الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها من قبل المودعين والتي من الممكن أن ترتفع لاحقاً»، موضحاً أن «أرباح المصارف تقدّر بـ 23 مليار دولار وتحجز على أموال المودعين لأهداف سياسية، وغير صحيح أن المصارف تعاني من شح في السيولة».

فالمصارف بحسب ناصر الدين هي «جزء من المؤامرة الخارجية لتفجير أزمات مالية واجتماعية ومصرفية وقضائية للسيطرة على البلد». ولفت الى أن «الوضع الذي وصلنا اليه لم يكن بسبب سوء إدارة القطاع العام كما قال رئيس جمعية المصارف سليم صفير فحسب، بل بسبب سوء ادارة قطاع المصارف ايضاً».

وتوقعت مصادر مطلعة لـ«البناء» شد حبال عنيفاً قبيل إقرار «الكابيتال كونترول» بين المصارف من جهة والحكومة والمجلس النيابي من جهة ثانية، مشيرة الى أن «تسريب المشروع للإعلام يعني وجود خلافات سياسية كبيرة عليه». وتربط بين تعمّد المصارف إغلاق أبوابها وبين إخلاء سبيل العميل عامر الفاخوري بهدف الضغط على الحكومة، ودعت المصادر السياسيين والحكومة والقضاء لـ»التحرك لوقف الحرب التي تشنها المصارف على المواطنين».

وفي غمرة هذه الأزمات المتفاقمة واختلاط حابل الخلافات السياسية بالقضائية والمصرفية، يواصل عداد الاسعار ارتفاعه ليسجل معدلات قياسية خلال الأيام القليلة الماضية وصل الى 50 في المئة على بعض السلع، فيما وزارة الاقتصاد تقف عاجزة عن إنقاذ المواطن الذي يُسحَق بجنون الأسعار. رغم أن وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه يعزو سبب هذا الغلاء الى سعر صرف الدولار في السوق والتساهل القضائي بحق المخالفين!

إلا أن مصادر صغار التجار تشير لـ»البناء» الى «أنهم يواجهون معاناة كبيرة بسبب عدم ثبات أسعار المواد الغذائية نظراً للجوء الشركات التجارية الموزعة الى تغيير لوائح التسعير بشكل دائم ومتكرّر ومفاجئ ومزاجي بذريعة تبدل سعر صرف الدولار يومياً ما يؤدي الى ارباك أصحاب المؤسسات الغذائية، وبالتالي يفقدها نصف رأسمالها اضافة الى خسائر في أرباحها»، وتضيف مصادر التجار الصغار الى أن «وزارة الاقتصاد لا تأخذ بعين الاعتبار هذا التبدّل في حركة الاسعار من الشركات الأم وتعمل الوزارة على تحرير محاضر ضبط بحق المؤسسات بلا أي مسوّغ قانوني، ففاتورة الشركات تشكل الحصن القانوني للتجار لحماية انفسهم قانونياً»، وتدعو المصادر وزارة الاقتصاد الى الاستحصال على لائحة أسعار من الشركات الأم والتحقق من سعر صرف الدولار ومقارنتها بلائحة الأسعار في المحال التجارية، لأن أسلوب الاقتصاد يؤدي الى تآكل مخزون ورأسمال المؤسسات».

وإذ ترد مصادر الشركات بأن الأسعار مرتبطة بأسعار سعر صرف الدولار وهي تحقق هوامش الربح القانوني والشرعي، يضيف وزير الاقتصاد: «عندما تقوم الشركة المستوردة لمادة معينة مثلاً بشراء الدولار بسعر 2500 ل.ل وتسعِّرها للسوبرماركت والمحال على هذا الأساس، نحن مجبرون على أخذ هذا الأمر في الاعتبار.

أما اذا تخطت نسبة هامش الربح المعدل الطبيعي الذي كان عليه، عندها نحرّر محضر ضبط بحق التاجر ونرسله إلى القضاء».

إلا أن خبراء اقتصاديين يوضحون أن «أسلوب وزارة الاقتصاد يحمي الشركات الكبرى في وقت تجب المحافظة على صغار التجار لحمايتها وتأمين استمراريتها في هذه الظروف الصعبة في حين تشكك مصادر بأسعار الشركات ومدى مواءمتها مع أسعار الوزارة الرسميّة»، متسائلين: هل تدقق الوزارة ومديرية حماية المستهلك بأسعار الشركات المستوردة؟ وهل تعطي هذه الشركات لائحة اسعار للوزارة مختلفة عن اللائحة التي تعطيها للمؤسسات التجارية؟ 

ويشير الخبراء لـ»البناء» الى أن «ضبط الأسعار مهمة وزارة الاقتصاد حيث إن رقابتها تشمل جانباً معيناً فيما المفروض رقابة شاملة بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والدفاع والبلديات لضبط المخالفات إن في الشركات الموزعة أو من التجار»، موضحين أن «تصريح وزير الاقتصاد وتذرّعه بأسعار الدولار ليس كافياً بل عليه ملاحقة الأسعار منذ مرحلة استيرادها الى توزيعها ووصولاً الى بيعها في الاسواق».

ويرى الخبراء أن «وزير الاقتصاد لطالما يأتي من خلفيات مصرفية بعيدة عن هموم المواطن وألاعيب الشركات والتجار إذ لا يعرف الوزير أن 80 في المئة من اللبنانيين هم من ذوي الدخل المحدود، وبالتالي تتآكل مداخيلهم بسرعة وتجب حمايتهم بكافة الوسائل، فيما إجراءات وزارة الاقتصاد المتخذة غير جدية وغير فعّالة»، ويضيف الخبراء أن «المواطن يواجه السحق بثلاثة أنواع من ارتفاع الأسعار: الاول ارتفاع سعر صرف الدولار والثاني الاحتكارات والثالث استغلال أزمة كورونا، في وقت أن الاقتصاد العالمي يعاني ركوداً وانخفاضاً بسعر النفط العالمي، وبالتالي يجب أن ينعكس انخفاضاً في الأسعار في الداخل فضلا عن ان المواطنين لا يستطيعون سحب أموالهم من المصارف لتلبية احتياجاتهم الغذائية والصحية الأساسية كحد أدنى».

فيما يَعِد وزير الاقتصاد بالعمل على آلية مشتركة بين الوزارة والقضاء، للتسريع بأكبر قدر ممكن في عملية اتخاذ القضاء لقراره في ما يتعلق بمحاضر الضبط التي ننظّمها، ووزارة الاقتصاد لا تملك صلاحية اتخاذ الإجراءات». 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى