مقالات وآراء

مائة عام من كورونا

 

 

} محمد حسن سعد*

(انك لا تستطيع ان تمنع طيور الحزن من أن تحلّق فوق رأسك، ولكنك تستطيع ان تمنعها من ان تعشش في شعرك)

«مثل صيني»

 

يُقال في بعض الثقافات الشعبية انه اذا إمطرت في الصين فعلى العالم ان يحمل المظلات، وبالتالي إذا أصاب الصين مصاب فانّ العالم بأسره يتداعى لذلك، والصين التي قال فيها نابليون بونابرت بأنها مارد نائم دعوه يغط في نومه لانه اذا استيقظ سوف يهز العالم.

 في الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني/ ديسمبر عام 2019 أعلنت الصين أول إصابة بفيروس مجهول في مدينة ووهان في مقاطعة هوبي الوسطى، مستبعدة ان يكون هذا الفيروس هو نفسه فيروس «سارس» الذي انتشر حول العالم عامي 2002 – 2003، لتعلن بعد ذلك في 5 كانون الثاني/ يناير عام 2020 انه تمّ تحديد هوية الفيروس الجديد بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، فالفيروس الجديد من عائلة الفيروس التاجي الذي يتضمّن ميرس وسارس ونزلات البرد الشائعة ويحمل اسم كورونا المستجدّ.

 وبعيداً عن نظرية العشرين من كلّ قرن التي يتناقلها ويتداولها الكثيرون حول العالم، بأنّ وباء يُصاب به العالم في عشرينيته، ففي عام 1720 ضرب مدينة مرسيليا الفرنسية الطاعون العظيم وقتل في أيام نحو 100 ألف شخص، وبعده بمئة عام وتحديداً في عام 1820 كانت الكوليرا تحصد أرواح البشر في أندونيسيا وتايلاند والفلبين وحصد هذا الوباء 100 ألف إنسان وأكثر، وفي عام 1920 ايّ بعد مئة عام كان العالم على موعد مع النمط المميت من الانفلونزا، وهي الانفلونزا الاسبانية التي كانت كارثة بشرية، تجاوز ضحاياها أكثر من مئة مليون إنسان وسط عجز عن إيقافها، وبعيداً أيضاً عن خزعبلات العارفين الضاربين في أخماس عقول الناس وأسداسها تنبؤات وترّهات وشعوذات، وليعذرني الاقتصادي والديمغرافي الانكليزي الشهير توماس مالثوس لو نحيت نظريته المالثوسية جانباً وأبقيتها خارج دائرة التصويب، وليسمح لي كلّ من مايكل سادلر وتوماس دبلداي وهربرت سبنسر الذين نظروا لأسس النظرية الطبيعية حول زيادة السكان، وليترك لنا كلّ من «الرفيق» كارل ماركس وارسبن ديمون وألكسندر سوندرز الذين فلسفوا النظرية الاجتماعية كلّ من زوايته، ولا يلومني آخرون ممن نسيتهم او سهوت عنهم، بعيداً عن كلّ ذلك قبلت دعوة كورونا لجولة في العالم وأرقامه المرعبة.

في جولتي مع كورونا المستجدّ في عالم الأرقام ظهر لي ما يلي:

1 ـ كشف تقرير لمعهد ستوكهولم الادولي لأبحاث السلام (سبيري) الذي نشر يوم الاثنين الواقع فيه 29 نيسان/ ابريل عام 2019 انّ الإنفاق العسكري العالمي لعام 2018 بلغ أعلى مستوى له منذ ثلاثة عقود، حيث أنفقت الدول ما مجموعه 1.82 تريليون دولار، نصفها أنفقته كلّ من الولايات المتحدة الأميركية 649 مليار دولار والصين 250 مليارة دولار.

2 ـ وبلغة الارقام أيضاً يشير التقرير السنوي الذي يصدر عن جامعة بروان بولاية رود ايلاند الأميركية، والذي ينشره معهد طومسون للشؤون العامة والدولية في الجامعة إلى أنّ تكلفة ما يسمّى بحرب الولايات المتحدة على الإرهاب ستصل الى 6.4 تريليون دولار في العام 2020.

3- وفي كانون الاول/ ديسمبر عام 2020 نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية، تقريراً يكشف الجوانب المخفية من الحرب السعودية العدوانية على اليمن، والتي كلفت نهاية عام 2019 ما مجموعه 725 مليار دولار، والتي لو أنفقت هذه الأموال على السعودية لتحوّلت إلى واحدة من اكثر الدول تطوّراً وتقدماً في كلّ المجالات والميادين.

4 ـ أشار موقع ستاتيستا المتخصّص في الإحصاءات إلى أنّ مجموع ما تمّ إنفاقه على الأبحاث الصحية والأدوية وتكنولوجيا المعدات الطبية المخصّصة لتطوير تشخيص الأمراض بلغ 31.3 مليار دولار عام 2019، ويقدّر الباحثون ان يصل حجم الإنفاق العالمي في العام 2024 حوالي 38.9 مليار دولار سنوياً.

5 ـ أنفق العالم على الأزياء والملابس والأحذية في العام 2019 ما مجموعه 2.9 تريليون دولار.

مهلاً لم تنته جولة الأرقام، وعلى قاعدة تجمّلوا تصحّوا، فقد بلغ حجم الإنفاق العالمي على مستحضرات التجميل وتغيير الشكل 160 مليار دولار.

 كورونا هذا الوباء الصغير الذي لا يُرى بالعين المجردة أحال النظام العالمي بأرقامه المفرطة المفزعة، بما فيه من دول عظمى ووسطى وصغرى وعالم أوّل وثان وثالث بشماله وجنوبه، بمؤسساته ومنظماته وهياكله ونظم سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية، وجيوشه الجرارة وترساناته العسكرية إلى مجرد ركام وحطام ورميم مندثر.

 أظهر وباء كورونا هشاشة الحضارة العالمية، مدن مهجورة، عالم مسكون بالخواء، خوف وقلق رعب وهلع، رهاب وانهيارات، فلا قيمة لأيّ شيء. استنفرت الدول فأعدّت ميزانيات مهولة وخطط احتواء، وإعلانات لحالات الطوارئ، وإحياء لمفهوم السيادة من جديد الذي التهمته العولمة المتوحشة، فكشف واقع عالمنا الهشّ الذي يستدعي اليوم إعادة بنائه على أسس أكثر إنسانية تعيد للإنسان قيمته واعتباره أولوية تتصدّر قائمة أجندات الدول والمنظمات حول العالم.

 نحتاج إلى مئة عام من العزلة، لكن ليس على طريقة غابرييل غارسيا ماركيز، لنعيد تشكيل العالم، ليكون عالم اليقظة، نحتاجها مئة عام من العزلة لنخرج وباء كورونا الذي يحكم عالمنا ويتحكم في مصائرنا في كلّ مجال من مجالات الحياة على هذا الكوكب المصادر من طغمة تسلطت وهيمنت عليه ووضعته على سكة الخراب والدمار والفناء.

* كاتب وباحث سياسي ومستشار في العلاقات الدولية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى