أولى

للبنان عليكم حقّ…

د. عدنان منصور*

أمام المخاطر التي يعيشها لبنان، جراء وباء «كورونا» الذي يهدّد اللبنانيين بمختلف أوجه حياتهم الصحية والمعيشية والاجتماعية والمالية، نتساءل، عما يحول دون قيام المصارف، التي تجاوز عددها 63 مصرفاً، من التبرّع بنسبة من الأرباح الكبيرة التي حققتها، لا سيما تلك التي حققت أرباحاً بالمليارات نتيجة الهندسة المالية التي خصّها بها حاكم مصرف لبنان.

لو تبرّع كلّ مصرف بمليون دولار من أرباحه، لجمعت إدارة الأزمة الصحية 63 مليون دولار، ولظهرت المصارف بذلك بأنها إلى جانب عملائها خاصة وبلدها عامة في هذه الظروف العصيبة!!

ماذا لو أنّ كلاً من أباطرة المال الذين أثروا على حساب الشعب بصفقاتهم المشروعة منها، وغير المشروعة، قد تبرّع بخمسة أو عشرة ملايين دولار على الأقلّ، وهو رقم لا يوازي فائدة شهر واحد قد يحققونها، وذلك أسوة بما يفعله بعض من أغنياء العالم ذوي الحسّ الإنساني النبيل، حيال المؤسسات والجمعيات الخيرية؟!

ماذا لو أنّ كلاً من الشركات والمؤسسات الكبرى التي تحقق أرباحاً سنوية بملايين الدولارات، دفعت جزءاً بسيطاً من أرباحها، لا تقلّ عن مئتي ألف دولار؟!

ماذا لو دفع كلّ من عشرات المقاولين، مبلغ خمسمئة ألف دولار من الملايين التي حققوها بفعل ما أنعم عليهم المسؤولون من التزامات خيالية، وصفقات مشبوهة؟!

ماذا لو تبرّع كلٌّ من أصحاب المنتجعات السياحية بما لا يقلّ عن ثلاثمئة ألف دولار، من الأرباح التي حققوها دون وجه حق، بفعل تعدّياتهم على أملاك الوطن وشواطئه البحرية وضفاف أنهاره، وهو مبلغ لا يشكل إلا الجزء البسيط مما كان عليهم دفعه كبدل إيجار عادل للخزينة اللبنانية؟!

ماذا عن أصحاب المليارات و»المولات» الضخمة، والمطاعم الفخمة، والفنادق المميّزة، وعلب الليل والشاليهات المنتشرة في العديد من ربوع لبنان؟ ماذا عن الفنانين والفنانات، الذين ربحوا الملايين من الدولارات، ولم يدفعوا «بشطارتهم» إلا القليل القليل من الضرائب المتوجبة عليهم؟!

كلّ هذا لا يعني مطلقاً أنّ هؤلاء هم وحدهم المدعوّون للقيام بواجباتهم تجاه وطنهم وشعبهم، بل هناك أيضاً عشرات الآلاف ممن يستطيعون أن يسهموا بواجبهم بمقدار ما يستطيعون، بعيداً عن المزايدات، والدعايات، والضجيج الإعلامي.

إنّ بلداً يهرِّب منه اللصوص عشرات المليارات من الدولارات، بين ليلة وضحاها، ولا يصل مجموع ما جمع لمواجهة الأزمة القاتلة التي تجتاحه إلى ثلاثين مليون دولار، يظهر مدى جبروت هؤلاء المتموّلين الكبار، وفقدان حسّهم الوطني والإنساني، حيال شعبهم ووطنهم في هذه الظروف العصيبة. إنّ اللبناني الشريف المعذّب الذي يئنّ اليوم، يناشد نخوة أصحاب المليارات إنْ وجدت، وأصحاب مصارف الهندسة المالية، وأباطرة المال الذين تقلّدوا مناصب السلطة، والذي يعرفهم واحداً واحداً، ويعلم جيداً حجم ودائعهم وثرواتهم، ومصادرها، والطريقة التي اتبعوها لتحقيقها!

لبنان ليس مرتعاً للمحتكرين ولا لطغيانهم وفجورهم، ولا مصدراً لتحقيق ثرواتهم على حساب شعبه، وهو في أحسن عافيته، ثم يتخلّون عنه، ليتخبّط ببؤسه وفقره ومأساته، في ظلّ أسوأ محنة وأزمة ماليّة وصحيّة قاتلة يشهدها.

يا أثرياء لبنان، في الداخل والخارج، نريدها منكم وقفة ضمير، بعيداً عن الاستعراضات الإعلامية، والمزايدات الفارغة.

للبنان حقّ عليكم، فلا تقسوا عليه في محنته، كما قسوتم عليه وأنتم تغرفون من نعمه وخيراته.

*وزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى