مقالات وآراء

ملائكة الشّفاء في زمن الدّاء

} حنان سلامة

لا تسَلْ عن الطّبيب الّذي يهب الحبّ دون مقابل، فقمّة العطاء عندما تعمل عن طيب خاطرٍ، لأجل مساعدة الآخرين، من دون أن تنتظر استرداد الثّمن، حيث تتجلّى التّضحية حينما يدعوك الواجب لأن تختار بين موتك أو حياة الآخرين، فتتجرّد من أنانيّتك، لا جبراً ولا إكراهاً، إنّما تقديراً لذاتك السّامية.

عندما تتخطّى الحاجة الشّخصيّة، وتبذل جهداً لإنقاذ الآخر الّذي لا تربطك به سوى صفة الإنسانيّة، حيث تتجرّد من دينك ومنطقتك، وتتسلّح بالسّلام الدّاخليّ رغم الخطر الّذي ينتظر حياتك، وتسافر سرّاً بين السّطور كي تشاطرنا الوجع والألم، حينها تنشأ بيننا وبينك علاقة ثقة، فنضع أجسادنا وأرواحنا أمانةً بين يديك.

لا حياة آمنة من دون الطّبيب الّذي يتحمّل مسؤوليّة نجاة إنسان مريض. وهل من مسؤوليّةٍ تضاهيها؟ مخطئٌ من ظنّ يوماً أنّ الإيمان يتم بالسّجود فقط! فلكي تصل إلى اللّه عليك أن تترفّع عن المادّة وتسمو الى العلا تاركاً دونك كلّ وسائل التّرفيه والرّاحة. يمنّ اللّه علينا بالسّلام، وكذلك الطّبيب يهدينا السّلام عندما يداوي الأرض من سقمها بمكافحة اجتياح الوباء المستشري فيها ويصنع المصير.

المرض يعزف في الجسد ألم النّهاية، والرّوح تقف حائرةً بين الجسد ورحمة الطّبيب، ثمّ تستسلم أمام قدسيّة ملاك الرّحمة الّذي يقف أمامها بحنوّه وصبره وطيب خلقه، فتنظر إليه بإكبارٍ وإجلالٍ، ثمّ تعود مطمئنّةً إلى الجسد وكأنّها تخجل أن تردّه خائباً بعد كلّ التّعب الّذي يبذله، أو ترفض أن يكون أكثر رحمةً وكرماً منها. بعدها يدخل صوته كلحنٍ إلى أعماقنا ينزع منّا آلامنا، فنستأنس بنقاء النّفس، وكأنّ اللّه أغدق عليه من روحه ليسكب الحياة مجدّداً في الأجساد، حيث يُطلق شعاعاً غير مرئيّ ينطلق من سموّ العطاء كسهمٍ يكوي الجرح فيطيب.

بسمة «الممرّض» تمدّنا بقوّةٍ تقهر المرض، تأتينا مثقلةً بالأمل، فرغم السّقم الّذي يجتاح الأسِرّة تبقى نعمة وجود الأطبّاء تلقي فيها حرارة الحياة، فيذوب الشّعور بالإحباط والتّشاؤم، ويحلّ مكانه الأمل بغدٍ واعدٍ ومستقبلٍ مشرق.

والمسعفون، نداء الاستجابة الأول، الذي يستحق كلّ التقدير، فهم يتحمّلون المواقف الصعبة أمام مشاهد الموت، ويعيشون الصراع مع كل ثانية لأجل إنقاذ مريض مستغيث. فلا ننسى عظيم جهودهم والتضحيات.

لذا، لنكن دعامةً للجسم الطبّيّ ليبقى عماداً لنا، فهو إذا سقط فسيسقط معه المجتمع لأنّه اللّون الّذي تكتمل معه صورة الوطن، ولولاه لساد التّجهّم وغزا السّواد حياتنا.

أشدّ على أياديكم يا من تجتازون البلاء بعيون الرّحمة، حيث يستسلم الخوف في قلوبكم أمام عظمة إيمانكم بأحقيّة وأهمّيّة الواجب؛ يا من تكحّلون أعيننا بأمل الشّفاء ونور الحياة؛ أيّها المؤتمنون على الأرواح والأجساد.

سلام محبّةٍ لكم يوم لبّيتم نداء الإنسان، وأنعشتم حياته ومضيتم بعملكم نحو السمو فالخلود. فلأنّكم رسالة الخالق في الأرض، ولأنّكم سرّ الوجود الإنسانيّ، نترك لكم وردةً عطرةً، ونضيء لكم شمعةً حمراءَ، ولا يعبّر عن امتناننا الفائق كل ما نكتبه فيكم ولكم من كتب وقصائد

تمرضُ الأرضُ بنا

يحاوطُنا الشَّرُّ في كُلِّ الاتّجاهات

فما من مفرٍّ سوى السَّماء

تهبُطُ ملائكةُ النُّورِ

ترتدي الأبيضَ رحمةً من هجومِ الدَّاء

وتحملُنا كي ترتقي بنا عالياً

بينَ مساحاتِ الشِّفاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى