حديث الجمعة

فيروس كورونا: دروس وعبر في القيم والحياة

 

 

حدث في جيلنا أن غفونا على عالم، في أواخر السنة الماضية، وصحونا على عالم آخر مختلف

فجأة،

ديزني خرجت عن السحر

باريس لم تعد رومانسية

روما اكفهرّت شوارعها،

والبابا صار يُصلّي وحيداً

ميلانو لم تعد مبتكرةً لآخر الأزياء

نيويورك لم تعد مثيرة لفضول عشّاقها..

لندن لم تعد مدينة الضباب

بيروت لم تعد سويسرا الشرق

لم يعد الجدار الصيني حصناً

ومكة فرغت من المصلّين….

و»المدينة» خلت من الزائرين

 كما حال معظم مدن العالم…..

أصبح العناق والقبلات، بدون مقدّمات، سلاحًا للقتل!!

وقطع زيارات الأهل والأحباب، دليل حب

والعزلة من القيم الاجتماعية التي تتنافس عليها العادات الجديدة..

وافترق الأهل والأحبةوتناءى العاشق عن المعشوقوالحبيب عن المحبوب..

بلا موعدأقفلت كل الشوارع والمرافق والموانئ والمطارات..

أُغلقت كل الشركات والمصانع والمؤسّسات..

أُغلقت كل الحضانات والمدارس والثّانويّات والمعاهد والجامعات..

فجأة أدركنا أن لا قيمة فعليّة للقوّة والجمال والمال والسّلطة،

صار أكبر همومنا أن نحصل على حصّتنا من الأوكسجين!!!

فجأة أدركنا أنّ صخب حياتنا الماضية لم يكن منه مآل..

وأنّ علينا ان نُعيد ترتيب برامجنا وخططنا، ووقف كلّ أشكال السفرِ والتّرحال

وأنّ فيروسًا تاجيًّا مجهريًّا لقّن أكبر درسٍ للأجيال..

وقف في وسط كتب التاريخ وصاح بنا:

أنا أقوى من كلّ ترسانات أسلحتكم وقنابلكم الذكية

أنا أذكى من كلّ طائراتكم «الشبحيّة» وغواصاتكم «النووية» وصواريخكم «البالستية»…

أنا صغيرٌ لا أُرى

أنا أسافر عبر القارات والبحار والمطارات بلا وسيلة نقل..

أنا أجتاز كل أنواع الحواجز والحدود البرية والبحرية والجوية..

ورغم ذلك لا جواز سفر معي ولا بطاقة تعريفٍ ولا هويّة

أنا ساويت بين فقيركم والغنيّ..

أنا أدخل كلّ بيت بلا استئذان

أقيم قي الحقائب وفي الجيوب وعلى أوراق المال

شللت كلّ تجارتكم..

أقفلت جميع مدارسكم ومعاهدكم

ومحاكمكم

أجبرتكم على الحجرِ والعزلِ والبعدِ وأجبرتكم على منع التجوال

غيّرت جميع أنماط حياتكم. أجبرتكم جميعاً على أن تفكّروا في لحظات الحياة، وفي ما ستحملون معكم يوم مماتكم

جعلتكم تتكلّمون عن استعادة القيم

وحيّ على خير العمل

 وتفهمون أن لا مفرّ للإنسان مهما عمل..

من عندي ستبدأ حياتكم الجديدة

ما قبلي ليس كما بعدي

من عندي ستعيدون النظر ببعض المفاهيم

العولمة.. العجرفة.. التكبّر.. والتجبّر والتجارات العابرة للقارات

عرّيت الحكومات أمام شعوبها، وكشفت مدى نفاقها وكذبها ومدى استفحال الاستخفاف والهدر والفساد والإهمال

أصبت الوزير والمدير والرئيس وأفزعت كل أنواع البشر

من أجلي بدأتم بتنظيف أنفسكم

كمّامات معقّمات مطهّرات وحجرٍ في بيوت..

ومن أجلي ستنظّفون قلوبكموإلا..

لن تجدوا دواءً يشفي مني، أنا الحقير الصغير الصغير

لن تجدوا الترياق أو اللقاحوسيكون الموت لمعظمكم هو المصير

مهما حاولتمسأطاردكم

وأضحك عليكم

وأعاقبكم وأتعقّبكم

لأعطيكم درساً في الحياة

 ولأقول لكم ارجعوا إلى رشدكم

احضنوا كباركم والمسنّين

والآباء والأمهات وكلّ ذوي القربى والمساكين

صلوا الأرحام ولا تنسوا المحتاجين، واليتامى والمقهورين والمعذبين

عودوا إلى القيم الإنسانية

عودوا عن أنانيتكم ومكركم وحبّكم لذواتكم وتكديس الأموال..

واليوم وبعد مرور ثلاثة أشهر على قدومي..

ها هي الأرض تواصل حياتها

 وقد صارت أجمل وأنقى وأطهر من دونكم

سجنتكم الحياة وأطلقت كلّ ما عداكم لتفهموا أنكم منبع الحقد والشر….

ألا تعتقدون أنها رسالة من السماء؟

أن يرسل الله لكم أصغر مخلوقاته لكي يُذكّركم بأنكم أتفه وأحقر موجوداته

والرسالة طبعاً لها عنوان

 ومقدمة وبرهان

وتقول لكم:

استيقظ أيّها العبد الذي سمّيته الإنسان

سأعطيك درسًا في الحياة

 أنت لست ضروريًّا دون الأخلاق والقيم

دون الألفة والمحبّة والتكافل والرحمةدعوتك للخير بين الشعوببين الأمم

الهواء والأرض والماء والسماء بدونك بخير

عندما تعود إلى رُشدك وضميرك وإنسانيّتك، لا تنس أبدًا أنّك ضيفي لأيّام أو بضعة شهور أو سنين

لست سيّدًا في الأرض.. أنت مجرد ضيف..

وأنا القادر الواهب الواحد الأحد الجبّار القهّار

أنت من دون العودة إلى عبوديّتي

عنوان الشّرّ الأشرار

فسارع إلى التوبة قبل أن أقضي على كل ظالمٍ كافرٍ ثرثار

د. طلال حمود

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى