الوطن

سلامة يُشرّع «الكابيتال كونترول» و«hair cut» بتعاميم مفخّخة ومنفردة الدولار إلى 10 آلاف ليرة؟

} محمد حميّة

يواصل المصرف المركزي بقيادة رياض سلامة بالتعاون مع أصحاب المصارف سياسة «حَجْر» ودائع اللبنانيين في المصارف وقضمها عبر تعاميم مفخخة تشرّع وتقونن بطريقة مواربة مشروعي «الكابيتال كونترول» و«hair cut» اللذين سقطا في مجلس الوزراء ورفض المجلس النيابي حمل وزر حتى مناقشتهما في جلساته التشريعية الأخيرة.

عدم اختصاص المجلس النيابي وتنصل الحكومة من هذين المشروعين أخليا الساحة للحاكم رياض سلامة ليسرح ويمرس والتفرّد باتخاذ قرارات وتعاميم عشوائية أقل ما يُقال عنها إنها «سرقة مقوننة» للودائع.

فكيف ذلك؟

بدأ التنفيذ العملي لمشروع سرقة الودائع بعد أحداث 17 تشرين الاول الماضي، مع اتخاذ المصارف وبتغطية من البنك المركزي قرار تقييد السحوبات من المصارف الى الحد الادنى وصل الى 300 دولار في الشهر الواحد. مصحوبة باستثناءات للمحسوبيات والخاصات الذين سحبوا مبالغ طائلة إلى منازلهم فيما أجرى آخرون عمليات تحويل الى الخارج.

 واتبع سلامة هذه القرارات المصرفية بسلسلة تعاميم تماهت مع أهداف المصارف الخاصة. فيما لم يحرك سلامة ساكناً إزاء عمليات التحويل التي جرت بعشرات مليارات الدولارات الى الخارج. كل ذلك وعوامل اخرى أدت الى ارتفاع تدريجي لسعر صرف الدولار.

فالحكومة ومعها المجلس النيابي وأركان الدولة عجزوا جميعاً عن لجم رياض سلامة والمصارف والصرافين ودفعهم لضبط الوضع المصرفي والنقدي لألف سبب وسبب بحسب ما تقول مصادر سياسية، فأوكلوا مهمة ذلك الى سلامة نفسه علماً أن الطبقة السياسية تحمل «حاكم المال» مسؤوليّة ما وصلنا اليه. فبدأ سلامة مستغلاً التفويض الحكومي والسياسي بإصدار تعاميم متلاحقة تنطوي على أهداف خبيثة ومبيتة أهمها تصحيح العجز في المصرف المركزيّ وردم الفجوة المالية الكبيرة في المصارف على حساب أموال المودعين عبر نصب حواجز وكمائن لاصطياد دولاراتهم في الداخل والخارج. فحاكم «المركزي» بحسب خبراء ماليين يعتمد خطة ممنهجة للاستحواذ على كميات كبيرة من الدولار لسد العجز في المطلوبات والموجودات لدى المصرف عبر تحويل الودائع من الدولار الى الليرة لا سيما أنه قدم للحكومة أرقاماً عنها ويخشى أن يتم اكتشاف بأنها غير صحيحة. لذلك يعمل على الاستحواذ على كل دولار في السوق ليثبت صحة أرقامه

أما أدوات الصيد فهي كثيرة منها سياسة الفوائد المرتفعة التي اعتمدها «بيت المال» لاستقطاب الودائع من الداخل والخارج الى جانب التعاميم التي بدأت بتنظيم السحوبات ووصلت الى حدود تشريع «الكابيتال كونترول» و«قص الودائع» بطرق متعددة.

أما الذي زاد الطين بلة، فهو التعاميم الثلاثة الأخيرة التي أصدرها «المركزي»: الاول السماح لأصحاب الودائع ما دون الـ 3000 دولار و5 ملايين ليرة سحب أموالهم بالليرة على سعر السوق والثاني السماح لكل أصحاب الودائع بالدولار الحصول على اموالهم بالليرة اللبنانية ما يعني عملياً تخيير المودعين بين خيارين أحلاهما مُرّ فإما إبقاء اموالهم قيد الحجز المصرفي حتى إشعار آخر والإمعان بإذلالهم على شبابيك المصارف عبر «تنقيطهم» بمئات الدولارات شهرياً. وإما الحصول على أموالهم (الدولار) بالليرة اللبنانية على سعر 2600 ليرة مع تحمّل نوعين من الخسارة: جزء من أموالهم يصل الى 40 في المئة بسبب فارق سعر صرف الدولار بين 2600 سعر الصرف الرسمي للمصارف و3500 نقطة بلوغه أمس في السوق السوداء، والثاني خسارة القيمة الشرائية لعملتهم اللبنانية التي ربما ستفقد قيمتها أكثر مع كل ارتفاع إضافي للدولار والذي يتوقع خبراء اقتصاديون وماليون ارتفاعه الى 4 آلاف ليرة وربما الى 10000 ليرة خلال شهر او شهرين. علماً انه وبحسب معلومات «البناء» فإن أغلب المصارف ومنذ انتشار جائحة كورونا وحتى الساعة أوقفت بشكل كامل تزويد المودعين بالدولار بذريعة توقف عمليات شحن الدولارات من الخارج، علماً أن نقابة الشحن تؤكد بأنها تعمل بشكل اعتيادي الى جانب انها مستثناة من قرار التعبئة العامة

ولم تقتصر «فرامانات» سلامة على المقيمين. بل تسللت «سنارة صيد الدولار» الى دول العالم حيث ينتشر المغتربون الذين يعتبرون جناح لبنان الثاني ورافده المالي في أصعب المراحل والظروف، فأصدر تعميماً فرض بموجبه على مؤسسات وشركات التحويل دفع التحويلات الخارجية الى لبنان بالليرة اللبنانية على أن تحصل عملية التبديل في مصرف لبنان حيث يأخذ «المركزي» الدولارات ويعطي مقابلها الليرة وذلك لسد عجزه من جيوب المودعين المقيمين والمغتربين، ما يفقد القيمة الشرائية للمبالغ المحولة من جهة ومن جهة ثانية يؤدي لحرمان الكتلة النقدية المحلية بالدولار رافداً دولارياً خارجياً اضافياً الأمر الذي سيؤدي الى ارتفاع إضافي بسعر صرف الدولار بسبب احتمال إعادة استبدال أموال التحويلات والودائع المستبدلة بالليرة الى الدولار.

ويمكن الاشارة ايضاً الى أن التعميم الأخير يناقض التعميم المتعلق بالـ «frech mony»  الذي يتحدث عن ضمان الاموال والودائع الجديدة التي تدخل الى البلد لتشجيع الاستثمار ودعم القطاع المصرفي. كما أنه سيخفض قيمة التحويلات المالية للمغتربين وبالتالي حرمان الكتلة النقدية المحلية بالدولار من ضخ اموال اضافية من الخارج في السوق المحلية.  

وصحيح أن مجلس الوزراء لم يمرر مشروع «الكابيتال كونترول» بنسخته التي عرضت عليه من وزارة المال، لكن المصارف تطبق وبقرار منفرد هذا المشروع بحكم الأمر الواقع.

أما السؤال الذي يطرح في الاوساط الشعبية: لماذا تأتي الحلول المقترحة لمعالجة أزمة المصارف و«المركزي» المالية على حساب المودعين والمغتربين واموال الناس عامة واملاك الدولة؟ هل لانهم الحلقة الأضعف؟ علماً أن المصارف والمركزي والطبقة السياسية المتوارثة نهبت أموال الدول العامة والأموال الخاصة للمواطنين!

فلماذا لا يتم البحث عن خيارات بديلة لسد العجز والديون؟ كاستعادة الأموال المنهوبة والموهوبة والمحولة والمخبأة في منازل السياسيين وأصحاب المصارف وأرباحهم الخيالية والأملاك البحرية والنهرية ووقف الفساد والهدر وتعزيز الرقابة على المال العام وضبط التهرّب والتهريب الجمركي وتعزيز الجباية وتفعيل القطاعات الإنتاجية وفتح الحدود على الجوار العربي لا سيما سورية والعراق وغيرها من الخطوات التي تدر الأموال على البلد؟

أما السؤال الكبير فموجه الى القضاء الغائب الأكبر عما يواجهه المواطن من مآسٍ وكوارث وسرقة ممنهجة لأمواله وأموال الدولة. صمتٌ يصل حد التواطؤ بحسب مصادر نيابية وتكفي الشكوك التي تدور حول قرار المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات تجميد قرار المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بتجميد أصول واملاك المصارف حتى تفرج عن الودائع، فهل باتت دولة المصارف أقوى من القضاء ودولة ضمن الدولة؟ 

وبمعزل عما إذا كان قانون النقد والتسليف يواكب المستجدات والمتغيرات على الصعد المصرفية والنقدية والمالية أم أنه يحتاج الى تعديلات، لكن الأكيد أن «المركزي» بشخص حاكمه يمارس الاستنسابية في تطبيق بنود القانون وفقاً لمصلحته ومصلحة قطاع المصارف والطبقة الرأسمالية والسياسية فضلاً عن مراعاته للإملاءات والخارجية التي تريد إبقاء لبنان على حافة الانهيار لتبقى الارضية اللبنانية الاقتصادية والسياسية والمالية والاجتماعية مهيأة لتنفيذ الشروط الدولية القديمة الجديدة. علماً أن المركزي ملزم بحسب القانون وقبل إصدار التعاميم التنسيق مع الحكومة ممثلة بوزير المال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى