الوطن

هل بات إسقاط الحكومة في المتناول أم أنها كطائر الفينيق؟

 علي بدر الدين

ثبت بالوجه السلطوي والتشريعي انّ الطبقة السياسية على اختلاف مكوناتها السياسية والطائفية والمذهبية والزعائمية انها لم تتعظ او تتوب عن كلّ ما اقترفته من ارتكابات بحق الوطن والشعب والمؤسّسات على مدى 30 سنة من الفساد والنهـــب والمحاصصة والاستئثار بمقدرات الدولة الاقتصادية والمالية والاجتـــماعية والصحية والمعيشية والإدارية، والتي أوصـــلت البلد الى الحالة الحاضرة التي تعتبر الأكثر سوءاً وظلماً واستبداداً وعهراً سياسياً وفساداً مكشوفاً ومقنعاً وعلى عينك يا تاجر من دون رحمة او شفقة او شعور بالمسؤولية تجاه وطن ينزف وعلى قارعة الانهيار والاحتضار، وشعب يئنّ من الوجع والفقر والجـــوع، ويركب المخاطر للوصول إلى بلاد الله الواسعة بحثاً عن العمل والأمن والأمان، أو هكذا يعتقد، هرباً من وطن ليس كالأوطان ومن حكــّام لبسوا أثواب الظلم والفساد ونزعوا عنهم جلابـــيب الوطنية والولاء للوطن الغالي وباعوه وعـــرضوه بثلاثين من الفضة على أبواب السفارات واستبدلوه بالمال والسلطة والنفوذ والسلاح الطائفي والمذهبي والأزلام والمصالح ورموا شعبه في مستنقعات الذلّ والهوان والتبعية وصادروا أمواله وهدروا كرامته وراكموا الديون عليه وسلبوه حقه في الحياة والعيش الكريم وفي الخدمات، وأشبعوه وعوداً لم يتحقق منها سوى كرتونة غذائية كمكرمة ملوّثة تفوح منها رائحة الفساد والمال المسروق الحرام.

هذه الطبقة السياسية انقضّت في الجلسة التشريعية بكلّ عتادها وعديدها وقوة نفوذها على الحكومة وتحوّلت من جلسة كان المأمول منها ان تتخطى مصالحها وحسابات الربح والخسارة لتعوض على اللبنانيين معاناة ثلاثة عقود من الفساد والنهب والمحاصصة والفقر وانعدام العمل، وان تؤمّن لهم ولو لمرة واحدة الحدّ الأدنى من الحقوق والحريات والخدمات، وترفع عنهم كوابيس الظلم والفقر وتشعرهم بأنهم مواطنون من الدرجة الأولى وليس من العاشرة في سلم الترتيب والتهميش، ولكن الذي شهدته وقائع الجلسة ونتائجها أطاح بكلّ الآمال والأحلام والوعود الكاذبة.

ما لم يكن في الحسبان انّ معظم الطبقة السياسية الحاكمة وغير الحاكمة كانت شديدة التناغم والودّ الذي كان مفقوداً قبل الجلسة، وانْ كان في العلن حول كثير من الملفات والقوانين التي أقرّت أو سقطت وفق المصالح المتقاطعة او المتضاربة وهذا ما يؤشر ومن دون شك أو التباس الى انّ أفرقاء هذه الطبقة كانوا على اتفاق مسبق وتنسيق لتجيير القوانين والتشريعات لصالحهم وإلا كيف نفسّر إسقاط قوانين مطلوبة بإلحاح لولوج الحلول والإنقاذ وسلوك طريق الإصلاح والتغيير والمحاسبة واستئصال الفساد وإعادة الأموال المنهوبة وضرب الاحتكار والجشع وإنقاذ العملة الوطنية من سطوة الدولار والسلطة والمصارف والصيارفة، والتوافق على إقرار تشريع زراعة الحشيشة المجملة بإسم ألطف وأقلّ جزعاً واثارة هو القنب؟ وكيف أسقطوا العفو العام؟ أليس بحسابات طائفية؟ وأسقطوا قانون محاكمة المسؤولين من الوزراء والنواب لأنه قد يطالهم وهم في المقابر؟ وكيف نفسّر إسقاط قانون رفع السرية المصرفية عن السياسيين؟ أليس لأنهم في قفص الاتهام والتورّط بنهب أموال الدولة والشعب والمودعين؟ الأسوأ الذي أثار الاستغراب هو التوافق على إسقاط قانون حظر صور السياسيين في الأماكن العامة، وما الفائدة من وجودها على أعمدة الكهرباء سوى للتعويض على انقطاع التيار وصورهم البهية تشعّ نوراً بل أنواراً صادمة. أو ماذا تفيد الشعب اذا كانت معلقة على حوائط ملـــوّثة بشـــعارات التمجيد بهم؟ او ماذا يعني إذا كانت فوق أكوام النفايات او على مقربة منها إلا كشاهد على ما فعلوه بالوطـــن والمواطن؟ ما دامت هذه الطبقة تدّعي الحرص على الإصلاح والإنقـــاذ لماذا أسقطت قانون مساعدة الأسر الأكثر فقراً بتطييرها للنصاب لأنّ الحكومة قرّرت تسليم توزيع المساعدات للجيش وليس لها فانتقمت من الحكومة بحرمان الفقراء والمحتاجين.

هذا غيض من فيض الطبقة السياسية الماضية في نهجها الإفسادي التحاصصي رغم ما فعلته بشعبها ولم يصعد دخانها الأبيض، هذا الشعب الذي حجره «كورونا» وهدّد حياته وأرعبه وخسر بسبب تداعياته عمله وإنتاجه على قلته وأصبح عاطلاً عن العمل بعد أن سطت المصارف على مدّخرات أكثر من مليوني مودع.

أكثر الضحايا في الجلسات كانت الحكومة، وشكلت الحملة عليها وعلى رئيسها ردود فعل شعبية تعاطفية لأنها بدت يتيمة من دون أب أو أمّ وكانت هي الحلقة الأضعف على خشبة المسرح. غير انّ وعد رئيسها حسان دياب بالإعلان عن مواقف معينة اليوم قد يقلب التوازنات ويكشف المستور وينبئ بإحداث صدمة إيجابية مطلوبة تعيد الثقة والتفاؤل بالآتي من الزمن.

لن نستبق توقع ما سيقوله رئيس الحكومة مع انه باعتقادي سيكون مختلفاً وايجابياً ونافعاً… وعلى مواقفه المنتظرة يُبنى المقتضى والرأي٠

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى