رياضة

بسام كنج: كرة القدم غيّرت مسار حياتي رئيس نادٍ ولاعب وحكم ومدرّب في 6 سنوات!

 

عندما يصرّح أحد نجوم لعبة كرة القدم العالميّين بأن الكرة قد غيّرت حياته، فالإستنتاج البديهي هنا، أنّها حملته إلى الواجهة ورفعته إلى أعلى المصاف مادياً ومعنوياً ومعيشاً، ناهيك عن الشهرة التي تحيطه وتدافع المعجبين للفوز بتوقيع منه أو صورة معه، وهذا المشهد مألوف في البلاد المحترمة وخصوصاً الأوروبية حيث التألّق الكروي يقود اللاعب إلى الصفوف الأمامية في أكثر من موقع وميدان،

ولا نبالغ إذا قلنا بأن البعض قد يصبح وزيراً أو نائباً في برلمان بلاده أو حتى ممثّلاً بارعاً أو مقدّم برامج مشهور أو رئيساً لإتحاد دولي أو مسؤولاً إدارياً في أحد الأندية، وهذا ما نفتقده في بلادنا العربية وعلى وجه الخصوص في لبنان، حيث لو قال أحدهم بأن كرة القدم قد غيّرت حياته، فالتفسير مختلف تماماً عمّا أسلفناه، فالتغيير المقصود هنا، للأسوأ وليس للأفضل! فلا تعجبوا من إختلاف الشرح لعبارة واحدة، وهذا ما سمعناه من اللّاعب والحكم والرياضي بسام عبد الكريم كنج (مواليد الشياح في العام 1950) أحد ضحايا الإنجذاب إلى عالم المستديرة الساحرة في مطلع شبابه، فالشاب المنتمي إلى عائلة ميسورة والمُحاط بأقارب وأصدقاء بارزين في ميادين العلم والريادة المجتمعية، أعترف خلال إستصراحي له حول مسيرته الكروية التي توقّفت فور اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، قائلاً:

«بسبب حبّي لكرة القدم ضيّعت مستقبلي العلمي والعملي، فنجاحي في البكالوريا في العام 1968 لم ينفعني إلّا للدخول إلى المعهد الوطني في العام 1972 وكنت في ذلك أمعن في الإبتعاد عن جادة العلم التي سلكها الأخوة والأقارب والأصحاب، هم وصلوا إلى حيث يتمنّون بفعل إجتهادهم وصبرهم فيما أوصلتني كرة القدم إلى ساحات الندم وآمل أن لا يتكرّر الأمر مع أحد في المستقبل». كلمات قالها بسام كنج بحرقة، هادفاً من ورائها إلى دق ناقوس الخطر أمام الشباب المندفع إلى الملاعب والمنطلق خلف الشهرة في لحظة إنجذاب وتأثّر، واضعاً تجربته الرياضية رهن الإعتبار ولسان حاله يُخاطب الأجيال الواعدة «إعتبروا يا أولي الألباب».

المسيرة الكروية

على مقاعد الدراسة في المدرسة العاملية، تشارك بسام كنج مقعده الدراسي مع الحارس الصاعد آنذاك بسام همدر، جاره ورفيق دربه الذي نجح لاحقاً في الذود عن عرين منتخب لبنان الكروي، تعلّقه باللعبة باكراً دفعه إلى تشكيل فريق من الموهوبين غير البارزين في الشياح لمواجهة الفرق المجاورة، ونتيجة لدعم والده تأمّنت التجهيزات وكلّ الأمور اللوجستية، ومن تلك المرحلة يتذكّر بسام الأصحاب الذين انضمّوا إلى فريقه الذي أطلق عليه إسم «النضال» وهم: حسن حركة، صلاح حيدر وشقيقه محمد، محمد إسماعيل، فيصل وزنه ، نعمه بدوي، نسيب نصر الدين، سامي عباس، عدنان نصرالله، منيب كنج، فوزي الخنسا وعادل وفاروق الخليل. ولمّا صار يُحسب للفريق ألف حساب عند مواجهة الفرق المرخّصة إتحادياً، سارع بسام مدعوماً من الأستاذ حسن شمس الدين (صديق العائلة ـ أمين سرّ وزارة الداخلية سابقاً) إلى نيل الترخيص الرسمي لفريقه تحت إسم «الأخوّة ـ كيفون»، نظراً لوجود فريقين ينتميان إلى الغبيري هما الضاحية والوفاء، واستبق هذه الخطوة باستقدام نخبة من لاعبي فريق «الأنوار» غير المرخّص، هم: كمال حمدان، صالح أيوب، حسين فنيش ومحمد قاسم. وفعلياً، شارك الأخوّة في أول بطولة رسمية لفرق الدرجة الثانية في العام 1969. أمّا لماذا كيفون بالتحديد؟ فيرد بسام سريعاً «لأنّها كانت المصيَف لكثير من أبناء الضاحية وعوائلها الأصلية».

وفي أول مباراة رسمية للفريق الزاخر بالنجوم سقط أمام «البرج» بنتيجة (1 ـ 2) بعد تمديد الوقت لأكثر من 25 دقيقة بناء لتدّخل سافر من الكابتن سهيل رحّال (لاعب نادي الراسينغ ومنتخب لبنان في تلك الأيام)، وهنا علّق كنج: «من يومها أدركت بأن إدارة اللعبة الشعبية في لبنان ليست على ما يرام والتلاعب وسرقة الجهود قد تحصل في أي مباراة نتيجة سطوة هنا أو إستقواء من هناك». مع الإشارة إلى أن أكثر مباريات الأخوّة إثارة كانت عند مواجهة نادييَ «الضاحية» و»الإنتصار».

ولفتنا بسام إلى أنّه كان يتصدّى لقيادة الفريق في كلّ الأمور (المادية والفنّية واللوجستية)، وهنا يشرح «مشاركة أي نادٍ في البطولات الرسمية تتطلّب المقرّ والمال والإدارة الواعية واللّاعبين المميّزين والجمهور المواكب بروح رياضية، مع توظيف كلّ هذه الأمور في خدمة الطموحات المشروعة، وطبعاً هي بحاجة إلى فريق عمل متجانس وإلى مموّلين داعمينوللأسف معظم الأندية في لبنان تقوم على المبادرات الفردية وهذا سبب تراجعها، ومن ينجح في مأسسة النادي حتماً سيتجاوز كلّ تلك الأمور ويرتقي مزيداً في سكّة التألّق»، نظرية واضحة أطلقها كنج الذي كان قد ذاق الأمرّين خلال فترة ترؤسه لنادي الأخوّة (1969 ـ 1975)، ولطالما كان كنج يجلس على مقاعد الإحتياط كرمى لرغبة لاعب بالمشاركة، من هنا لازمه لقب «المضحّي» في الوسط الكروي.

المعهد الوطني والتحكيم

وكأن رئاسته وتمويله وإدارته للفريق لم تحقّق له طموحه الشخصي، ففي العام 1972 إنتسب بسام كنج إلى المعهد الوطني للرياضة إلى جانب نجمي نادي شباب الساحل في تلك الفترة صلاح حيدر وهاني وزنه بالإضافة إلى مشهور حمود وعادل بيسار وعاطف الجردي وعبود عبود، ويومها إستمرّت الدورة لثلاثة أشهر مع المدرب المصري فهمي رزق، وبعدها شارك في دورة تحكيمية، وهنا يتبادر للأذهان السؤال الآتي، هل هناك رئيس لفريق كروي في لبنان والعالم سبق أن أدار وموّل ودرّب وحكم المباريات؟ الجواب الأكيد …  لا خاصيّة تميّز بها بسام كنج في لبنان وحده.

وعند الحديث عن التحكيم الكروي في لبنان، يرد بإختصار ودون شرح «فيه الكثير من الشوائب»، مستذكراً، بأن مباريات الدرجة الثانية في الماضي كان يقودها حكم ساحة من دون مساعدين! مثنياً على إنجاز الحكم الدولي حيدر قليط في مونديال 2002 الذي سبق أن تخرّج من فريقه الذي حمل لاحقاً إسماً جديداً (العائلي)، حيث تعاون على إدارته مجموعة من الشباب المندفع إلى الملاعب الكروية في الشياح وما أكثرهم في منطقة زاخرة بالمواهب والنجوم.

الإبتعاد عن اللعبة الشعبيةأسباب كثيرة جعلت القرف يتسرّب إلى قلب بسام كنج بعد 6 سنوات من العمل الرياضي الرسمي ما جعله يودّع اللعبة الشعبية وفي جعبته صداقات وذكريات يحبها كثيراً، وفي طليعة هذه الأسباب، يذكر بسام:

ـ العمل الرياضي في لبنان غير جدي.

ـ عدم المقدرة على إرضاء من حولك.

ـ القرف المتسرّب إلى النفوس بشكل تصاعدي.

ـ بطولات غير مكتملة، وللإتحاد الدور الكبير في ذلك!

ـ حرص القيّمين على اللعبة في لبنان على عدم المسّ بخريطة التوزيع الطائفي في كلّ الدرجات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى