الوطن

الشغب والتعرّض للجيش يطغيان على الشارع والمطالب المعيشيّة وتحذيرات من إشعال الفتنة لصرف الأنظار عن محاسبة الفاسدين

 

طغت أعمال الشغب والتعديات على الأملاك العامة والخاصة على التظاهرات أمس، ما استدعى تدخلاً سريعاً من الجيش والقوى الأمنية لردع المخلّين بالأمن قبل تفاقم الأمور، ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف الجانبين.

وكانت طرابلس شهدت حتى ساعة متأخرة من ليل أول من أمس، مواجهات بين الجيش ومحتجين أسفرت عن  مصرع فواز السمان من المتظاهرين إضافة إلى إصابة عدد منهم بجروح وكذلك من الجيش.

واستعادت المدينة هدوءها أمس، وسط انتشار واسع لوحدات الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي في شوارع المدينة كافة، وقامت عناصر الجيش بمداهمات عدة لتوقيف المخلين بالأمن، خصوصاً الذين احرقوا الية تابعة له وحطّموا واجهات المصارف وألقوا القنابل الحارقة على الصرّافات الآلية.

وأصدرت قيادة الجيشمديرية التوجيه بياناً أعربت فيه عن بالغ أسفها لسقوط قتيل خلال احتجاجات أول من أمس، وتقدمت بأحر التعازي من ذويه، مؤكدةً «أنها فتحت تحقيقاً بالحادث». وجددت قيادة الجيش تأكيدها «احترام حق التعبير عن الرأي شرط أن لا يأخذ التحرك منحى تخريبياً يطال المؤسسات العامة والخاصة»، ودعت المواطنين للإلتزام بالإجراءات الأمنية.

لكن سرعان ما عادت المواجهات إلى طرابلس، حيث شهدت المدينة تحرّكات شعبية، وأبعد الجيش المتظاهرين من شارع المصارف وتراجعوا إلى مستديرة الحلاب وساحة التل مطلقاً القنابل المسيّلة للدموع لتفريقهم بعد أن أضرموا النيران بعدد من فروع المصارف في منطقة التل مقابل مستشفى شاهين، وأقدموا على تكسير بعض واجهاتها.

وعمد بعض المحتجين إلى رمي الحجارة في اتّجاه الجيش الذي ردّ بالقنابل المسيّلة للدموع.

وعمل الدفاع المدني على إخماد الحرائق في أحد المصارف بعدما غادر سكان المبنى خوفاً من إنهياره.

كما أحرق محتجون آلية لامر لفصيلة التل في قوى الأمن الداخلي بطرابلس، وأخرى للشرطة القضائية.

ومساء، تقدمت مجموعات من الجيش اللبناني من الوسط التجاري في طرابلس باتجاه الأحياء والمناطق الشعبية في المدينة، ووصلت تعزيزات عسكرية من خارج المدينة، وذلك بهدف محاصرة المحتجين عند مداخل الحارات الشعبية، ولا سيما في ساحتي النجمة والسرايا القديمة ومنطقة الزاهريةالدباغة، حيث أدى التصادم إلى سقوط جريحين من المحتجين.

من جهتهم، حاول المحتجون مراراً إعادة التقدم مستخدمين الحجارة، تحت غطاء دخان الحرائق المتصاعدة من حاويات النفايات.

وفي بيروت، تجمع عدد من الناشطين في ساحة الشهداء، وعمد عدد من المحتجين الى قطع الطريق من ساحة الشهداء بإتجاه مبنى النهار بالحجارة لكن أعيد فتحها لاحقاً وعادت حركة السير طبيعية، فيما استمر المحتجون بقطع طريق الأشرفية بإتجاه الحمرا، في حين أن الطريق من الحمرا باتجاه الاشرفية ظلت مفتوحة.

وكان المحتجون رشقوا الجيش بالحجارة، الأمر الذي أدى الى تراجع العناصر إلى داخل «الصيفي فيلج».

وقطع محتجون الطريق في الجميزة أمام مبنى جمعية المصارف وحطموا واجهات الجمعية والمحلات وإشارات المرور. وسُجلت حالة من الفوضى، بعدما تم التعرض للممتلكات الخاصة من قبل عدد من الشبان.

كذلك قطع عشرات المحتجين طريق قصقص في الاتجاهين بواسطة مستوعبات النفايات، مرددين هتافات استنكاراً لتردي الوضع المعيشي.

وكان محتجون  قذفوا واجهة أحد المصارف في محلة رأس النبع فجر أمس بعبوات حارقة، ما ادى إلى إتلاف الواجهة واقتصرت الأضرار على الماديات.

ونفّذ المشاركون في «حراك بعلبك»، أمام مبنى محافظة بعلبك الهرمل وقفتين احتجاجيتين، المجموعة الأولى رفعت شعارات تندد بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع سعر صرف الدولار، في حين ركّزت شعارات المجموعة اليسارية على رفض السياسة المصرفية.

وكان بعض شباب الحراك نفّذوا وقفة صباحية بالقرب من مركز أمن الدولة في بعلبك، وطالبوا بإطلاق الناشط محمد العشي.

واُعيد فتح طريق المصنع راشيا عند مفترق الصويري، بشكل جزئي. وشمالاً، اُعيد فتح السير عند محلة ساحة العبدة في طرابلس.

إلى ذلك، أشارت  قيادة الجيشمديرية التوجيه في بيان إلى أن بعض المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي، تداولت خبراً «زعمت أنه تسريبات من وزارة الدفاع وضمنته سيناريو مختلقاً ولا أساس له من الصحة عن قرارات ينوي قائد الجيش اتخاذها إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه».

ونفت القيادة نفياً قاطعاً صحة ما ورد في الخبر، وشددت على «أنها تقوم بمهامها كاملة ولن تتأخر في القيام بكل ما من شأنه حماية لبنان وسلمه الأهلي».

مواقف

وفي المواقف رأى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش عبر «تويتر»، أن «الأحداث المأساوية في طرابلس التي تواجه فيها المتظاهرون غير السلميين مع الجيش اللبناني والتي أدت إلى استشهاد متظاهر ووقوع إصابات من الطرفين ترسل إشارة تحذير للقادة السياسيين في لبنان».

أضاف «هذا ليس الوقت المناسب لتبادل تصفية الحسابات أو الاعتداء على البنوك بل إنها اللحظة التي يتعين فيها توفير الدعم الملموس للأغلبية المتزايدة من اليائسين والفقراء والجوعى من اللبنانيين في جميع أنحاء البلاد».

وأسف الرئيس نجيب ميقاتي في تصريح، للأحداث المؤلمة في طرابلس ، معتبراً أن  «ما جرى إنذار كبير ونموذج لما يمكن ان يحصل في كل المناطق من دون استثناء».

واتصل ميقاتي بقائد الجيش العماد جوزاف عون واطلع منه على الإجراءات التي يتخذها الجيش لمعالجة الوضع في طرابلس، مشدداً على «حماية المتظاهرين السلميين والممتلكات العامة والخاصة».

بدوره، حذّر النائب السابق محمد الصفدي «من إيقاظ الفتنة وإعادة استخدام طرابلس وشبابها مرة جديدة وزجهم في النزاعات السياسية بدل التعاضد والتضامن من الجميع من أجل خير المدينة ومساعدة شبابها على تخطي هذه المرحلة الصعبة».

وأبدت «الحملة الأهلية لنصرة فلسطين وقضايا الأمة» في بيان اثر اجتماعها الأسبوعي عبر وسائط التواصل الاجتماعي، قلقها «المتصاعد جراء التطورات الخطيرة التي تشهدها البلاد»، معتبرةً أن «السبب الحقيقي لتردي الأوضاع الاقتصادية والنقدية يعود لتجذر الفساد وآلياته في الدولة والمجتمع، وأن إشعال الفتنة وزرع الفوضى هما محاولتان لاستغلال الجوع من أجل صرف الأنظار عن محاسبة الفاسدين».

وذكّرت بأن «العدو الصهيوني وحلفاءه كانوا دوماً يتربصون بلبنان، الكيان وإرادة العيش المشترك والمعقل التاريخي لمقاومة المشروع الصهيوني، وكانوا دائماً يخططون لتدميره، كي يتمكنوا من الهيمنة عليه وعلى مقدراته وموارده الطبيعية المائية والنفطية والغازية، وهم يسعون لتنفيذ مخططاتهم بكل الآليات والأدوات والوسائل المتاحة».

وأكدت «ضرورة الاستمرار في مكافحة الفساد ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمها الفقر والبطالة، ودعم كل الخطوات الآيلة إلى ذلك، لأن في ذلك تحصينا للبنان ومقاومة لمخططات أعدائه».

ورأى «تجمّع العلماء المسلمين» في بيان، أن ما حصل مساء أول من أمس في أكثر من منطقة لبنانية «يجب أن ننظر إليه بمنظارين لا ينفكان عن بعضهما البعض، الأول أنه كان من بعضهم تعبير صادق عن حجم الألم الذي يعانون منه ما دفعهم للخروج ليظهروا للدولة أنهم لم يعودوا يطيقون الوضع الصعب، والثاني هو استغلال للحالة الأولى من قبل بعض المترصدين بالحكومة لإسقاطها في الشارع مستغلين غضب الناس ويهدفون من وراء ذلك للوصول مرة أخرى إلى الحكم ويقضوا على البقية الباقية من إمكانات الدولة وثرواتها وتجهيزاتها».

أضاف « وفي كلتا الحالتين لم يكن مقبولاً حال الفوضى التي مارسها بعض المتظاهرين، والذين نعتقد جازمين أنهم مدفوعون من جهات مخابراتية تعمل لإسقاط الحكومة والإتيان بأخرى موالية للولايات المتحدة الأميركية وتعمل على تنفيذ إملاءاتها».

ودعا الحكومة إلى «المسارعة لاتخاذ الإجراءات التي وعدت بها والتي تؤدي إلى التخفيف من معاناة المواطنين».

وحذّر مفوضالشرق الأوسطللجنة الدولية لحقوقالإنسانومبعوث المجلس الدولي لشؤونالأمم المتحدةفي جنيف السفير الدكتورهيثم أبو سعيد، في بيان، من «نتيجة الإنجرار وراء اللعبة الأممية التي غالباً ما تكون أهدافها خارج المصالح العامة للبلد، وتأخذ منحى جامحاً عند أول تسوية إقليمية أو دولية ويدفع ثمن تلك المغامرة الشعب والمجتمع اللبناني».

ورأى أنّ «المطلوب على المستوى الشعبي الوعي والهدوء وعدم تصديق الشعارات التي تدعو إلى التظاهر تحت شعائر مطلبية في الشكل، لكنها قد تكون قاتلة في المضمون وخطراً كبيراً على العيش المشترك».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى