التقلّب في السياسة
} لواء العريضي
تغيير الرأي في السياسة وتبديل الأحلاف أمرٌ طبيعيٌّ، وهي ظاهرة نراها في كلّ بلدان العالم ولا عيب فيها. فالتحالفات السياسية هي في أساسها لتحقيق مصلحة مشتركة أو هدف معيّن يتيح لحزبين أو أكثر الحصول على نفوذٍ أكبر في الدولة للتأثير على القرارات الأساسية التي تخدم مصالحها وتحقّق تطلّعاتها وترضي مؤيّديها تمهيداً للوصول الى الحكم.
إنّ هذه الظاهرة هي من خصائص البلدان المتعددة الأحزاب حيث يصعب لحزبٍ واحدٍ تحقيق غايته بالوصول للسلطة منفرداً، فعليه أن يضحّي بالبعض من أهدافه إكراماً لحلفائه ولو أتت هذه التضحية على حساب قناعاته، فينشأ الحلف السياسي.
هناك نوعان أساسيان للتحالف السياسي هما العمودي والأفقي؛ العمودي غالباً ما يكون اصطفاف أحزاب اليمين مع اليمين مثلاً واليسار مع اليسار. أما الأفقي فيتضمّن اليمين واليسار والوسط والطائفي… في حلف واحد يواجهه حلف مماثل. وهو الأقرب للأحلاف في لبنان. إلّا أنّ السياسة والسياسيين عندنا عكس العالم، فيتفقون على إدارة البلد بمحاصصة طائفيّة ويختلفون على أُسس ومقوّمات البلد الرئيسية. فالاختلاف بالسياسة يكون على الأمور الحياتية للمواطن وطريقة إدارتها وكيفية تحقيقها والتنافس الديمقراطي لتحسين مستوى عيشه ورفاهيّته، لا على أسس البلد التي يقوم عليها. فكلّ دولة في العالم تعرف عدوّها وتحدّد أصدقاءها، ولها حدود واضحة وينصّ قانونها على أنّ شعبها واحد، فلا مكان للشكّ في هذه المقوّمات. لكن في لبنان هذه هي نقاط الاختلاف الأساسية التي ترسم التحالفات وتمنع قيام دولة قويّة والتي ستناولها لاحقاً.
أما بالنسبة للأحلاف السياسية وتغيير الموقف السياسي والنظرة للقضايا الرئيسية، فمن الصعب أن تتبدّل في بلدٍ لا يحمل أنصاف الحلول التي لا تدوم. لذلك التنقّل من حليف الى آخر واللعب على الحبلين لا يجدي نفعاً، بل يدلّ على ضياع المبادئ الأساسية والنظرة الشاملة لهيكل الوطن. فإمّا مع سلاح المقاومة أو ضدّه، إمّا مع القضية الفلسطينية أو ضدّها، إما مع التوطين أو ضدّه، إمّا مع التطبيع أو ضدّه في كافّة أشكاله، إمّا مع تحرير مزارع شبعا أو نبذها، إمّا مع المحاصصة الطائفية أو ضدّها… لا يمكن لمن لا يرى في «إسرائيل» عدوّاً مثلاً أن يكون حليفاً للمقاومة، ولا يمكن لمن يعادي الغرب وسياسته في المنطقة أن يكون حليف ممثليه في لبنان. لذلك فإنّ التنقل بين الاصطفافات السياسية غير مبرّر إلّا في حالة تبديل القناعة، وليس في تبدّل ظروف القوى الإقليمية. وفي الحقيقة إنّ شرّ البليّة هو ليس تقلّب رجال السياسة فقط بل في انجرار شريحة كبيرة من مؤيّديهم خلف الموقف ذاته دون التشاور مع أنفسهم أولاً إذا ما كان هذا الموقف يتناسب وأفكارهم!
نؤكّد مجدّداً أنّ الخلافات والتحالفات السياسية تكون على مواضيع اقتصادية أو اجتماعية كطريقة التنمية والانفتاح والتقدّم أو كيفية توجيه استراتيجية اقتصادية لتحقيق المنفعة العامة… من هنا، على طريق الإصلاح ومكافحة الفساد يجدر إعادة النظر بأسس الدولة وبناء هيكل جديد يضمن تقدّهها وعزّها، عندها فقط العمل السياسي يجدي نفعاً.