الوطن

قيصر جديد يشعل الحرائق في العالم من أجل مصالحه؟

} د. وفيق إبراهيم

أحرق القيصر الرومانيّ نيرون عاصمة إمبراطوريته روما مسروراً بمراقبة النيران القاتلة وهو يستمع الى الموسيقى من أعلى تلال المدينة.

ها هو وريثه المعاصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستفيداً من الصلاحيات الواسعة التي يمنحه إياها نظام بلاده الرئاسي، يمارس سياسات إضرام الحرائق على مدى عالمي كبير هذه المرّة.

وإذا كان إحراق نيرون لم ينتج تداعيات ذلك الزمان، لاقتصار العملية على الحاكم وسكان مدينته، فإن ما يفعله ترامب النيروني حالياً يصيب بقسوة أشد إيلاماً من حريق روما دولاً عالمية لا تقل قوة عسكرية عن الولايات المتحدة الأميركية.

فروسيا والصين وإيران وسورية وفنزويلا وفلسطين هي بعض النماذج الأكثر تضرراً مع إضافة تركيا واوروبا واليابان إنما بعبارات ليست قاسية جداً، فيبدو ترامب معلماً في صفوف ابتدائيّة يمتشق عصا أشبه بهراوة ينهال بها على رؤوس الأولاد الأقوياء وأقدام الضعفاء مواصلاً الضرب حتى إصابة بعض المعلمين المشابهين له في الدرجة والقوة، فيحدث عندها انفجار كبير.

لذلك، فإن العالم اليوم قابع على فوهة بركات ترامبي يموج هادراً ومهدداً كنيرون معاصر يلعب هذه المرة مسرحيات ثقيلة.

فتراه يتربّص لناقلة نفط إيرانية تحمل وقوداً الى فنزويلا مهدداً بتدميرها فيرد الإيرانيون والفنزويليون بتهديد مماثل ما يتسبب بتوتير العلاقات الدولية، لان ما يفعله ترامب لا يستند الى قرارات صادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الامن فيها بل تشكل استمراراً لعقوبات أميركية مخيفة يفرضها البيت الأبيض على إيران منذ 1980 او بشكل تصاعدي يحاول بواسطتها خنقها، ولولا الإمكانات الداخلية لإيران لسقطت بالضربة الأميركية القاضية منذ عقد تقريباً.

كذلك فإن فنزويلا الدولة الأولى في الاحتياطات النفطية في العالم يعاقبها الأميركيون بمنعها من بيع نفطها وحرمانها من علاقات اقتصادية مع جوارها في أميركا الجنوبية والعالم.

ولولا الحماية الروسية ولاحقاً الصينية التي تتمتع بها فنزويلا لما تورّع ترامب عن اجتياحها.

لذلك يسعى البيت الابيض الى منع ناقلات البنزين الإيرانية من الوصول الى فنزويلا وافراغ حمولتها في موانئها للمزيد من الضغط على الرئيس مادورو وإسقاط نظامه السياسي لمصلحة جهات فنزويلية يقودها غويديو تابعة للسياسات الأميركية.

الوضع اذاً متوتر جداً بقرار أميركي بين إيران وأميركا لأن أي هجوم أميركي على الناقلة او أسرها قد يرتب عملاً مشابهاً في بحر الخليج المليء بالسفن والبوارج الأميركية ما يؤسس لحرب فعلية وواسعة بين الفريقين بوسعها الامتداد في معظم المشرق العربي ما بين أعالي اليمن وسواحل لبنان.

أما الناحية الثانية من توتير ترامب للعلاقات الدولية فاتجاهه إلى إلغاء معاهدة الأجواء المفتوحة بما يؤدي الى تحويل أجواء الدول الى ساحات لقصف جوي بالصواريخ وآليات أخرى.

لأن هذه المعاهدة كانت تسمح للدول في اطار اتفاقات معينة حق الرصد والاستعلام الحيوي فوق بلدان أخرى تعتقد انها تخرق الاتفاقات حول نشر السلاح النووي او الصواريخ.

ومع هذا الإلغاء الذي يستتبع حكماً إلغاء مرتقباً لمعاهدةسارت الجديدةفإن محصلة الاتفاقات لتنظيم العلاقات العسكرية والأمنية والفضائية الدولية ذاهبة الى تدمير، وهذا يفتح الطريق لمجابهات خطيرة جداً قد تبدأ بإسقاط أهداف وتندفع لحروب أكبر. هذا هو قيصر أميركا المجنون الذي يضع ايضاً عقوبات على روسيا تقول إنها لا تأبه لها لكن رفعها لن يمر دون ردة فعل روسية كبيرة.

لجهة الصين، فهذا موضوع الخطورة ومفتوح على احتمالات اندلاع حروب تبدأ صغيرة في نواحي بحر الصين وسواحل بلدانه، لكنها لن تبقى على هذا النحو.

فترامب يعرف أن المنافس الحقيقي لبلاده على المستوى الاقتصادي هو التنين الأصفر، الأمر الذي يجعله مصراً على تدمير قوته الاقتصادية بإصراره على تحميل الصين وزر جائحة الكورونا وتفشيها في العالم، دافعاً الأميركيين من أهالي ضحايا هذا الوباء والمتضررين في العالم التقدم بشكاوى قانونية قد لا تؤدي الى التعويض المادي القانوني لها، لكنها تستطيع الإساءة الى سمعة السلع الصينيّة والدفع باتجاه تراجعها التسويقيّ بشكل مؤذٍ لازدهار هذا الاقتصاد.

كما أن ترامب لم يكتفِ بالعقوبات المتواصلة على إيران منذ أربعين عاماً فأضاف اليها عقوبات جديدة، استهدفت شركات صينية يقول إنها تنقل سلعاً الى إيران، حتى ادركت العقوبات حركة وزير الداخلية الإيراني بتهمة دعمه للإرهاب وقائد الحرس الثوري بذريعة انه يهدد الاستقرار والإمن الاقليميين عبر وكلاء إقليميين في لبنان (حزب الله) واليمن (الحوثيون) وسورية (الدولة).

هناك ايضاً سورية التي يحاصرها الأميركيون والأوروبيون بفرض عقوبات اقتصادية واجتماعية قاسية جداً، ويضيفون عليها ابتداء من حزيران المقبل قانون قيصر الذي يعتبره المحللون الاقتصاديون مشروع خنق يتجاوز مرحلة العقاب وتشارك فيه أوروبا وكندا وأستراليا والخليج، وتصرّ الإدارة الأميركية على فرض تطبيقه على تركيا وروسيا والصين.

للإشارة فإن مساحة هذه الدول التي تتعرّض لهذه العقوبات فتصل الى 22 مليون كيلومتر مربع وفيها نحو ملياري نسمة دفعة واحدة أي أكثر من ثلث سكان الارض.

فهل تبقى العلاقات الدولية في دائرة التوتر ولا تصل الى مرحلة حرب عالمية ثالثة؟

إنفرملةالمناوشات تحتاج بدورها الى تنسيق دولي يبدو أن جنون ترامب يمنع تشكله ذاهباً الى حدود تحطيمه وذلك لأسباب تتعلق بإصراره على التمديد لنفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد ستة أشهر.

فهل ينجو العالم؟

الرهان اليوم على العقلاء في الدولة الأميركية العميقة، بإبعاد قيصرها المجنون عن دائرة اتخاذ قرارات مخيفة قد تدفع نحو تدمير الإنسانية كما فعل نيرون الروماني بعاصمته روما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى