نقاط على الحروف

25 أيّار اليوم الذي لم ينته

ناصر قنديل

– 25 أيار عيد التحرير والمقاومة اليوم الذي بدأ فيه المشوار الطويل نحو القدس، عندما أثبتت المقاومة أنّها الوصفة الناجعة لتحرير الأرض من الاحتلال، وما عاد للسؤال، هل هذا ممكن، أيّ معنى. فدليل الإمكان هو الوقوع، وقد وقع وانتهى، وما وقع في جنوب لبنان لن تحول دون تعميمه نظريات الخصوصية، التي كانت تطالعنا عندما نتحدّث عن فيتنام، فها هو لبنان البلد العربي الأصغر والأضعف والمفتّت بحروب الداخل وتدخلات الخارج، لا ينتظر اكتمال الشروط، التي دوّختنا بها نقاشات الستينيات والسبعينيات، حول شرط الوحدة العربية، وشرط الدولة الاشتراكية،، فقد تحقق التحرير، وقُهر الجيش الذي لا يُقهر، في ظل نظام التوحش الرأسمالي وبدون وحدة وطنية داخلية، فما بالك بالوحدة العربية وأكثر من نصف الدول العربية بين تطبيع وتحالف مع كيان الاحتلال، ووحدها سورية تثبت مع المقاومة مقولة، أنا والحق أكثريّة، المعادلة صارت هي النظرية بعد تحققها في الواقع، وها هي غزة تلحق بالجنوب، وأسطورة الجيش الذي لا يُقهر صارت مهزلة، وأكثر من ثلاثة أرباع الشباب في تجمع الاستيطان العنصري يقولون في استطلاع لصحف الكيان، إنهم لا يثقون بأنهم سيبقون ومثلهم أبناؤهم وأحفادهم في هذه البلاد كما بقي آباؤهم وأجدادهم، بينما شباب فلسطين وصباياها يرددون أنهم واثقون بأن الأرض ستعود لهم، والبيت سيعود لهم، ويردّدون هذه المرة مع أغاني السيدة فيروز بثقة، القدس لنا والبيت لنا وبأيدينا سنُعيد بهاء القدس، للقدس سلام آتٍ، والغضب الساطع آتٍ.

كل ما يجري منذ ذلك التاريخ محكوم بما جرى في 25 أيار 2000، حرب العراق كما وصفها باتريك بوكانن المرشح الجمهوريّ بوجه جورج بوش الإبن لنيل ترشيح الرئاسة من حزبه، هي حرب التعويض عن هزيمة كيان الاحتلال ورد الاعتبار له. وحرب تموز على لبنان، هي بالتسمية والوصف والفعل حرب رد اعتبار، وعندما تفقد الحروب هدفاً لذاتها، وتصير حروب رد اعتبار، وتتكرر، فهذا يعني أنه زمن الأفول، كما يقول العلامة إبن خلدون عن علامات أفول الأمم والدول، وحروب غزة مواصلة للإنكار بأن الزمن تبدلت مفاعيله، ومواصلة لحروب رد الاعتبار، وتكفي نظرة للعيش على طرفي حدود لبنان وفلسطين المحتلة، ورؤية كيف انقلبت وتعاكست شروط عيش الناس، وتبادل سكان الجنوب والمستوطنين مشاعر الخوف والأمان والقلق والثقة، لمعرفة اتجاه الزمن الآتي.

حرب سورية هي أم الحروب، فلولا سورية الأسد حافظها وبشارها، ما كان هذا النصر في أيار والنصر الذي تلاه في تموز، كما يقول سيد المقاومة. وكما قال بالمقابل إيهودا باراك عام 85 مع إنجاز انسحاب جيش الاحتلال حتى نهر الأولي، في مقال له في هآرتز كرئيس لأركان جيش الاحتلال يومها، فكتب، أن هذا الانسحاب هو تتمة انسحابات سبقت ومقدمة انسحابات ستلي، لأننا يوم لم نستطع مواصلة الحرب حتى البقاع وردع دمشق تأسست معادلة الانسحاب الشامل، ونحن ننفذه بالتجزئة. فطالما أن سورية هي ظهير العمليات التي تشنّ في الجنوب، فنحن أمام قرار انسحاب شامل مع وقف التنفيذ أو قرار حرب على سورية. وها هي الحرب ولو بعد حين، ولو لبست ثوباً مزيّفاً لثورة مزعومة، والثورة بالأصل تتفوق على الدولة بثلاث، تفوّق أخلاقي وتفوّق في الوطنية وتفوّق في المواطنة، وقد سقط الثوار المزيّفون في الثلاثة، والسقوط بالثلاثة كالطلاق بالثلاثة عند المسلمين. سقطوا في عيون السوريين مقارنة بنموذج الدولة التي يدّعون الثورة عليها، في ميزان المقارنة الأخلاقي وسقطوا في ميزان الانتماء لوطنيّة سورية، وسقطوا في ميزان الدفاع عن المواطنة السورية مفهوماً وممارسة.

كما كان نصر تموز تتمة لجزء غير مكتمل من نصر أيار، فنصر سورية يتمم الجزء الأكبر من نصر أيار لإعلان الأفول، ليس أفول حروب الكيان فقط، بل أفول الكيان نفسه، لأنه كيان قائم على الحرب، يتوقف عن القدرة على الحياة عندما يفقد القدرة على شنّ حرب، كما قال لهم كبيرهم الذي علّمهم السحر بن غوريون، في توصيفه أهمية القوة بالنسبة للكيان، وليس هو زمن أفول حروب الكيان وحده بل أفول زمن الحروب الأميركيّة، التي سقطت نماذجها المتبقية بعد سقوط فرضيّتها النووية في النموذج الكوري الشمالي وقبله في خليج الخنازير قبل نصف قرن، ليسقط مجدداً شكّل الحرب النظاميّة المستدامة الموعودة كحرب بخسائر صفر. كما قالت لهم ووثقوا القول بقراءة نتائج حربهم في العراق، وسقط شكل الحرب الخاطفة كما قالت لهم ووثقوا القول بعد حرب تموز 2006، وسقط شكل حرب الوكالة للأقدر على بذل الدماء، بتبادل المواقع مع العدو، كما وصفوها، حرب عصابات تقودها واشنطن بوجه جيوش نظاميّة، كما كانت حرب تنظيم القاعدة وتنظيم الأخوان المسلمين وداعش وسواهم، ضد الدولة السوريّة، وهم اليوم يوثقون القول ويعترفون بالنتيجة، لتبدأ بالظهور أخيراً بشائر سقوط شكل الحرب الاقتصادية مع النصر التاريخي للجمهورية الإسلامية في إيران ببلوغ ناقلاتها شواطئ فنزويلا رغم تحدي الحرب، فتنتصر إرادة كسر الحصار، وبناء جسور التشبيك العابر للقارات.

ينتصر 25 أيار 2000 كيوم فاصل بين زمنين، زمن التسيّد الأميركي على العالم والهيمنة الصهيونية على المنطقة، وزمن المقاومة وحروب الاستقلال ونهضة مفهوم الدولة الوطنيّة، فكان الردّ على ما حصل عام 1990 مع سقوط جدار برلين، عندما بشّرنا فوكوياما بنهاية التاريخ، وتحدث رامسفيلد عن حروب تحسم قبل أن تطأ أقدام الجنود الأرض، وكتب لنا توماس فريدمان عن سقوط أشجار الزيتون أمام تحدي سيارة اللكزس، فجاء 25 أيار ليقول إن التاريخ لم ينته وإن مَن يكتبه هم المنتصرون، وأن الحروب لا تُحسم من دون أن يقابل الجنود الجنود، وإن أشجار الزيتون لا تقتلع عندما تكون مزروعة في القلوب، وإن جدار برلين الذي سقط قد مهّد لسقوط غيره من الجدران، الجدار الطيّب كما أسموه على حدود لبنان، وسيأتي دور جدار الفصل العنصري في فلسطين قريباً، فهذه هي سنّة التاريخ، الباب الذي تفتحه لن تمرّ منه وحدك.

القضية التي يدور حولها الصراع اليوم، مستمدّة من نتائج أيار، ومشكلتهم رغم كل التفوق التقني أنهم يأتون متأخرين، فقد احتاجوا عقداً كاملاً ليفهموا أنه لا بد من الحرب على سورية وليعدوا عدّتها، واحتاجوا عقداً ونصفاً ليفهموا أكثر أنهم في مأزق، لأنهم باتوا كما قال موشي ارينز في هرتزليا عام 2007، دولاً وشعوباً وجيوشاً يريدون انتصارات بلا دماء، وكان الرد بمجيئهم بمن يخوض الحروب عنهم ممن يتفوّقون عليهم بالقدرة على بذل الدماء، وكانت الحرب على سورية وفشلها رغم نباهة الاستنتاج، واحتاجوا لعقدين من 25 أيار يكتشفون أنهم هزموا لأن الروح قد هُزمت، وهزيمة الروح لا تشفيها إلا هزيمة الروح الأخرى. فجاؤوا بحروب التجويع كي تهزم روحنا، والجواب هو بتلاقي الأرواح المنتصرة والمستهدفة من الأرواح المهزومة، وفق النموذج الذي قالته معركة فك الحصار عن فنزويلا، التشبيك والتبادل، والسوق المشتركة، فإسقاط الحدود بين بلدان محور المقاومة اليوم هو التعبير الوحيد عن ذكاء المواجهة. فوحدة الأسواق اليوم هي التعبير العملي عن وحدة الأرواح، ووحدة العملات الوطنية وتكاملها، كوحدة تبادل مخزون النفط بمخزون القمح، والسلع الزراعيّة بالسلع الصناعية، والخدمات المصرفيّة بالكهرباء، لأن الروح الواحدة تتجسد بالقدرة على إدارة أجساد متعدّدة، كما يقول الشعراء عن أحوال العشاق.

– 25 أيار مناسبة عشق حقيقيّة لنحتفل، بأن روحنا هي المنتصرة وستنتصر فنحيي أعراس شهدائنا وفي طليعتهم القائدين عماد مغنية وقاسم سليماني ولا ننسى صاحب الطلقة الأولى الشهيد خالد علوان، ونوجّه التحايا، لسماحة السيد حسن نصرالله ولسيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد، والإمام السيد علي الخامنئي، والراحل العظيم حافظ الأسد، والراحل العظيم الإمام الخميني، والراحل الثوري الكبير هوغو شافيز، متمسكين بفلسطين وقدسها، وبصداقة وشراكة ونهوض روسيا والصين ومعهما دول ترغب بالاستقلال الذي بُني نموذجه ورُفعت مداميكه في أمثولة نصر أيار.

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى