أولى

رأسماليّة المحاسيب في زمن كورونا!‏

 د. محمد سيّد أحمد

 لقد بدأت رأسمالية المحاسيب في الظهور داخل المجتمع المصري مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وبعد نصر تشرين الأول/ أكتوبر 1973 حين عقد الرئيس السادات العزم على تسليم مقدرات البلاد والعباد للمشروع الرأسمالي الغربي، وكانت مقولته الشهيرة إنّ 99 % من أوراق اللعبة في يد الأميركان، ولست أدري إنْ كان في لحظتها مدركاً بأنّ هذا الأميركي الذي يتحدّث عنه هو عدو وليس صديقاً، فكيف تسلم له كل مقدرات بلادك وتصبح تابعاً، لا تمتلك قرارك السياسى، وتذهب وفقاً لإرادة العدو الأميركي لمعاهدة تكبّل إرادتك مع العدو الصهيوني الحليف الاستراتيجي والفتى المدلل للعدو الأميركي، وبذلك يتراجع دور مصر على المستويين الإقليمي والدولي وتنكفئ على ذاتها. فيضيع المشروع التنموي الوطني ويتبعه المشروع القومي وتتفتت الأمة وتصبح فريسة سهلة ولقمة سائغة في فم العدو الأميركي.

 فمنذ أعلن السادات تخليه عن المشروع الاقتصادي الوطني الذي تبنته مصر بعد ثورة تموز/ يوليو 1952 وحققت من خلاله إنجازات تنموية رائعة انعكست آثارها على الخريطة الطبقية في مصر، حيث تمكنت الطبقات الفقيرة والكادحة والمهمّشة من الفلاحين والعمال من الحصول على حقوقهم المشروعة والعادلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية التى حرمت منها في عصر الاحتلال والملكية، وبعد أن كان مجتمعنا هو مجتمع النصف في المئة من الأغنياء الذين يسيطرون على الثروة والسلطة، أصبحنا مجتمعاً تبرز فيه الطبقة الوسطى من خلال الحراك الاجتماعي الصاعد للفقراء والكادحين والمهمّشين بفعل سياسات تنموية تقوم بتوزيع عائد عملية التنمية على جموع المواطنين وبذلك تحققت العدالة الاجتماعيّة المفقودة تاريخياً في المجتمع المصري.

وجاء السادات وأعلن عن سياسة الانفتاح الاقتصادي وكانت بداية تجريف الاقتصاد الوطني الذي حقق العدالة الاجتماعية المفقودة، فمع إعلان سياسة الانفتاح بدأت تبرز الرأسمالية الطفيلية التي انحصرت في مجموعة من المحاسيب المقرّبين من الرئيس شخصياً. وبدأت عمليات الفرز الاجتماعي تعمل من جديد حيث تآكلت مكتسبات الطبقة الوسطى التي تمّ إفقارها بشكل متعمّد حتى يعود المجتمع لما قبل ثورة يوليو/ تموز 1952.

 ورحل السادات وجاء خلفه مبارك حيث سار على خطاه واستمرت سياسة رأسمالية المحاسيب بل تطورت حيث بدأ في تنفيذ تعليمات العدو الأميركي من خلال روشتة صندوق النقد الدولي التي تسعى للتخلص نهائياً من بقايا المشروع الاقتصادي التنموي الوطني، وأعلن الرجل عن خطة بيع ممتلكات الشعب في مزاد علني من خلال بيع القطاع العام، رغم أنّ الدستور الذي كان قد حلف على صيانته يعتبر القطاع العام حرمة لا يجوز المساس بها ولم يلتفت مبارك لهذه الجريمة التي ارتكبها إلا بعد أكثر من خمسة عشر عاماً فقام فى عام 2007 بتعديل الدستور والتخلص من هذه المواد التي تدينه هو ونظامه.

 واستمرت رأسمالية المحاسيب في التحكم والسيطرة وحدث الزواج غير الشرعي بين رأس المال والسلطة، واستمرت عمليات السرقة والنهب لبعض المحاسيب المقربين من الأسرة الحاكمة، وهو ما نتج عنه تغيير جذري في الخريطة الطبقية المصرية حيث عاد من جديد مجتمع النصف في المئة. فعشية رحيل مبارك كان 41 % من المصريين يعيشون تحت خط الفقر إلى جانب 25% يعيشون في حزامه، وهذه الأرقام وفقاً للتقارير الدولية عن الفقر في مصر، ومع استمرار رأسمالية المحاسيب تغيب العدالة الاجتماعية. فالقاتل لا يهتمّ بجثة القتيل ولا يسعى حتى لدفنها.

ونتيجة لسياسة رأسمالية المحاسيب قامت أحداث 25 كانون الثاني/ يناير 2011، تبعتها أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013، نتيجة استمرار السياسة نفسها فما قام به مرسي وإخوانه هو وضع محاسيب جدد إلى جوار محاسيب مبارك من أمثال خيرت الشاطر وحسن مالك وشركائهم، وبعد 30 يونيو/ حزيران اختفى محاسيب الإخوان من المشهد تماماً وعاد محاسيب مبارك لينفردوا بالمشهد من جديد.

 وحين جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي حاول جاهداً تحجيم دور رأسمالية المحاسيب وإعادة بناء الاقتصاد الوطني عبر مجموعة ضخمة من المشروعات القومية، هذا إلى جانب محاولة استعادة دور مصر على المستويين الإقليمي والدولي في ظروف صعبة للغاية. فالمؤامرات التي أشعلت النيران داخل غالبية المجتمعات العربية لا تزال مستمرة وتهدّد الأمن القومي المصري والعربي، وتحاول مصر بكلّ هدوء وحكمة إطفاء هذه النيران المشتعلة.

لكن للأسف الشديد داهمتنا جائحة كورونا وخلالها ظهر الوجه القبيح لرأسمالية المحاسيب، الذين كوّنوا ثرواتهم عبر عمليات السمسرة والسرقة والنهب، حيث رفضوا الوقوف إلى جانب الدولة والشعب، ولم يكتفوا بذلك بل خرج أحدهم ليتطاول مرة على الشعب المصري ومرة أخرى على الرئيس جمال عبد الناصر، صاحب التجربة التنموية الوطنية الوحيدة في تاريخ مصر، والذي حرّر مصر من الاستعمار، وأعاد ثرواتها المنهوبة لأبنائها، فاستحقّ لقب زعيم الفقراء، وعلى الرغم من مرور نصف قرن على رحيله، إلا أنّ اسمه ما زال يدخل الرعب في قلوب رأسمالية المحاسيب العقبة الحقيقية التي تقف في وجه كلّ المحاولات المخلصة للتنمية والنهوض وتخليص مصر من التبعية، لذلك حان الوقت لتقليم أظافرهم، وقطع ألسنتهم، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى