أولى

دروس التاريخ التي يجب أن نستخلصها من أجل المستقبل العادل

ألكسندر زاسبكين*

 

في 22 حزيران 1941 بدأت الحرب الوطنية العظمى للاتحاد السوفياتي ضدّ ألمانيا الفاشية وحلفائها. واليوم نتذكر هذا التاريخ لنحيي بطولة الشعب السوفياتي الذي وقف صفاً واحداً ضدّ العدوان، مؤمناً بحتمية هزيمة المعتدي الذي كان يسعى إلى إبادة شعوب الاتحاد السوفياتي على اختلاف قومياتها والاستيلاء على أراضيها. كما نتمسك بالحفاظ على صدق الرواية والوقائع التاريخية لتطورات الأوضاع ما قبل الحرب وأثناءها وبعدها ولا نسمح بتزوير الحقيقة الذي يجري خلال الفترة الأخيرة في أميركا ودول أوروبية.

يحاول هؤلاء وضع ألمانيا الهتلرية والاتحاد السوفياتي في كفة واحدة لجهة تحميلهما معاً وعلى حدّ سواء المسؤولية عن الحرب. وفي الواقع إذ يشوّهون صورة الاتحاد السوفياتي التاريخية فهم يقصدون استهداف روسيا حالياً. والعودة إلى التاريخ تفيدنا أنه في عام 1932 وافقت الولايات المتحدة وإنكلترا وفرنسا على إعادة تسليح ألمانيا وفي عام 1938 تمّ «توحيد» ألمانيا والنمسا ووقعت بريطانيا وفرنسا معاهدة ميونخ مع ألمانيا التي أدّت إلى تقسيم تشيكوسلوفاكيا بمشاركة بولندا وتعزيز القطاع الصناعي العسكري الألماني، وكانت الفكرة الأساسية لكلّ هذه المناورات تشجيع ألمانيا الهتلرية للهجوم على الاتحاد السوفياتي. وتؤكد ذلك حالة «الحرب الزائفة» أيّ عدم تحرك قوات فرنسا وبريطانيا في بداية الحرب العالمية الثانية حتى شنّت ألمانيا هجوماً واسعاً على بلجيكا وهولندا وفرنسا في أيار 1940. أما الاتحاد السوفياتي فخلال سنوات بقي يطرح مبادرات خاصة بالأمن المشترك في أوروبا وتشكيل التحالف ضدّ هتلر، حتى وقع مضطراً في آب 1939 معاهدة عدم الاعتداء مع ألمانيا بعدما فشلت كلّ المبادرات لتحصين المواجهة بموقف موحد. وفرضت عقد هذه المعاهدة ظروف اندلاع الأعمال العسكرية بين الاتحاد السوفياتي واليابان وكانت بذلك خطوة ذكية حمت المصالح الوطنية للاتحاد السوفياتي بتأجيل الحرب مع ألمانيا.

لذلك كله كان من المهمّ جداً نشر الرئيس فلاديمير بوتين لمقال بعنوان «75 عاماً من النصر العظيم: مسؤولية مشتركة تجاه التاريخ والمستقبل» الذي يكشف معلومات عن مرحلة قبل الحرب ودروس يجب أن نستخلصها منها. وورد في المقال: «لم تحدث الحرب العالمية الثانية بين عشية وضحاها، ولم تبدأ بشكل غير متوقع أو فجأة. ولم يكن العدوان الألماني على بولندا من العدم. كانت نتيجة عدد من الميول والعوامل للسياسة العالمية في ذلك الوقت. وقعت جميع أحداث ما قبل الحرب في مكانها لتشكل سلسلة قاتلة واحدة. لكن، بلا شك، كانت العوامل الرئيسية التي حدّدت مسبقاً أكبر مأساة في تاريخ البشرية هي أنانية الدول والجبن واسترضاء المعتدي الذي كان يكتسب القوة وعدم استعداد النخب السياسية للبحث عن حلّ وسط».

نعتبر توضيح وقائع الأجواء السياسية وتصرفات الدول التي أدّت إلى اشتعال الحرب العالمية الثانية حاجة ملحّة لأننا نرى سلوكاً متشابهاً في الظروف الدولية الراهنة عندما تحاول الأوساط الغربية الحاكمة أن تفرض إرادتها على شعوب العالم وتحاول إسقاط الأنظمة الشرعية بذريعة «حماية حقوق الإنسان» أو «تأييد الثوار». وتستخدم هذه الأوساط استفزازات ودعاية كاذبة يشارك فيها السياسيون والخبراء والصحافيون الذين يخلقون عالماً افتراضياً موازياً لتضليل الرأي العام العالمي وذلك للحفاظ على الهيمنة بكلّ الطرق الممكنة بما في ذلك عدوان مباشر وتأييد مجموعات إرهابية ومراهنة على فتن طائفية وفوضى وتفكيك الدول وفرض العقوبات الاقتصادية التي تسفر عن تجويع الناس المدنيين.

في عصر أسلحة الدمار الشامل يحتاج العالم إلى تعزيز الاستقرار الاستراتيجي على أساس مبدأ عدم تجزئة الأمن ومشاركة الجميع على قدم المساواة. لكن الولايات المتحدة تنسحب من المعاهدات الرئيسيّة التي تشكل إطاراً قانونياً دولياً في هذا المجال. علاوة على ذلك يجري العمل التخريبي في المنظمات الدولية لوضع «نظام القواعد» التي يخترعها الغرب لمصلحته بديلاً للشرعية الدولية.

اليوم يكرّر الغرب أخطاء الماضي التي أدّت إلى الكارثة العالمية وما أشبه اليوم بالأمس، وقد شهدنا كيف كرّر الغرب خطأ الرهان على النازية مع ألمانيا الهتلرية بالرهان على الإرهاب، خصوصاً في ما شهدناه خلال الأزمة والحرب في سورية، معتقداً أنه سيبقى بمنأى عن الخطر، عندما يترك النيران تشتعل بثوب مَن يصنفهم خصوماً، وفي المرتين النتيجة ذاتها. فالنوم مع الشيطان في السرير ذاته لا يمكن أن يجلب الأمن ولا أن يحقق السلام .

اليوم وقد تزايدت مشاكل العالم وزاد تعقيدها، لا يمكن تجاهل مخاطر انزلاق إلى نهاية تاريخ البشرية نتيجة للنزاع العالمي بسبب تصرّفات غير مسؤولة للمغامرين والمهووسين بأوهام العظمة والتفوق والجشع وأشكال الفوبيا القديمة.

من المطلوب تكثيف الجهود لمواجهة هذا النهج الذي يهدّد مستقبل البشرية. وبهذا الصدد نشير إلى ضرورة توسيع دائرة الدول والقوى السياسية التي تسعى إلى نضج النظام العالمي المتعدّد والمتوازن الذي يؤمن الحقوق المتساوية لأعضاء المجتمع الدولي والالتزام بميثاق الأمم المتحدة. وإذ نتذكر تحالفاً معادياً لهتلر فتطرح روسيا مبادرات بناءة بخصوص جميع مواضيع الأجندة العالمية ابتداء من الاستقرار الاستراتيجي والتعاون في الفضاء والفضاء السيبراني وصولاً إلى تسوية النزاعات الإقليمية ومكافحة الإرهاب. من المعروف أنّ الرئيس فلاديمير بوتين وجه الدعوة لعقد لقاء لرؤساء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لمناقشة أهم القضايا الراهنة. ونأمل أن تمثل هذه الخطوة نقطة انطلاق لعملية تنقية الأجواء وانتقالاً إلى مرحلة الحوار والتعاون لأن ذلك حاجة ماسة للبشرية كلها التي تعاني من تراكم المشاكل.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

*سفير روسيا الاتحاديّة لدى الجمهورية اللبنانيّة.

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى