الوطنتحقيقات ومناطق

الوزير مرتضى لـ «البناء»: نطمح لتحقيق اكتفاء غذائي… وأضعف الإيمان تعزيز الإنتاج وخفض الاستيراد الحكومات لم تهتمّ بالزراعة منذ عشرات السنين… ‏والفترة الأخيرة بيّنت الحاجة لاستراتيجية جديدة تنهض ‏بالقطاع

رمزي عبد الخالق

لا يمكن الحديث عن اقتصاد إنتاجي إذا لم يكن في أساسه قطاع الزراعة، ومعه شقيقه التوأم قطاع الصناعة، وتحديداً الصناعات الغذائية التي تعتمد على تصنيع المنتجات الزراعية على اختلافها، خاصة أنّ معظم المحاصيل الزراعية في لبنان قابلة للتصنيع، مما يساعد أولاً في تصريف الإنتاج ومنع كساده، وثانياً في إعطائه وقتاً أطول للتسويق.

هذا ما أكده لـ «البناء» وزير الزراعة عباس مرتضى الذي شرح في حديثه تفاصيل العمل المكثف القائم في الوزارة للنهوض بالقطاع الذي أهملته الحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنين، وتحديداً بذل الجهد اللازم لتوفير الأمن الغذائي في هذه الظروف الدقيقة التي نمرّ بها، ريثما تكون الخطط المتوسطة والبعيدة المدى قد أتت ثمارها.

وتطرّق الحديث إلى زراعة القنّب الهندي، نفط لبنان، كما وصفه الوزير مرتضى، إذ أكد العمل حثيثاً لتنفيذ القانون الذي أقرّه مجلس النواب العام الماضي.

كذلك يركز الوزير النشيط على ضرورة أن تدعم الدولة التصدير من خلال تسهيل أمور المصدّرين من كلّ النواحي، وفي الوقت نفسه ضرورة حماية المنتجات اللبنانية، وهذا ما فعله حين قرّر وقف استيراد الدجاج المثلج لحماية تربية الدواجن في لبنان، وهو قرار وصفه كثيرون بأنه ثوري ونحتاج إلى مثله في أكثر من قطاع.

وفي ما يلي وقائع الحديث:

 

استهلّ الوزير مرتضى كلامه قائلاً: إنّ قطاع الزراعة في لبنان من القطاعات الأساسية والحيوية، لكن الدولة لم تولِ هذا القطاع الأهمية منذ عشرات السنين، حيث كانت هناك بدائل في الاقتصاد تسدّ العجز، ولكن السنوات القليلة الماضية وخاصة في الفترة الأخيرة بيّنت أنّ وزارة الزراعة بحاجة إلى وضع سياسات واستراتيجيات جديدة حتى نستطيع النهوض بهذا القطاع الهامّ.

إنّ الخطة التي وضعناها لوزارة الزراعة والتي بدأنا بتنفيذها تتضمّن عنوانين رئيسيّين: الأول مسار طوارئ لتأمين الأمن الغذائي، والثاني إطار استراتيجي للسنوات الخمس المقبلة.

وفي التفاصيل اعتبر الوزير مرتضى أننا عندما نقول زراعة، فإنها تعني غذاء، وكلّ الدول تضع سياسات أمن غذائي، ويصل بعضها إلى سيادة غذائية عندما تحقق الاكتفاء الذاتي.

ونحن نطمح فعلياً إلى تحقيق اكتفاء غذائي، ونعرف أنّ هذا الهدف يحتاج إلى الكثير من العمل، لكن أضعف الإيمان أن نتمكّن من خفض نسبة استيراد المنتجات الزراعية، وهذا يتمّ من خلال زيادة مساحة الأراضي الزراعية وأيضاً من خلال استخدام التكنولوجيا واليد العاملة المتخصّصة الزراعية.

أضاف: المعروف أنّ أقلّ مساحة أرض زراعية، قادرة، في حـــال وُجدت التكنولوجيا واليد العاملة المتخصّصة، على إنتاج أضعاف ما يمكن أن تنتجه المساحة نفسها إذا تمّت زراعتها بالطريقة التقليدية.

وعلى صعيد تصدير المنتجات الزراعية، ودور الوزارة في تسهيل التصدير، رأى الوزير مرتضى أنّ الأمر يحتاج إلى مواصفات معيّنة، وأيّ مُنتج يُراد تصديره يتمّ إجراء فحص مخبري دقيق له، فالمواصفات ونوعية المنتج يجب أن تكون متطابقة مع معايير محدّدة تطلبها الدول.

وبالإضافة إلى موضوع المعايير والمواصفات، هناك أمر آخر مهمّ وهو التفتيش عن أسواق جديدة نومّن لها المعايير المطلوبة، لأنّ اتفاقيات لبنان الخارجية مع الدول تعود إلى عدة عقود، وما نأمله أن نتمكّن من فتح أسواق جديدة أمام منتجاتنا.

أيضاً يجب التنويع في الزراعات، واليوم مثلاً أصبحت الزراعات الاستوائية مطلوبة بشكل كبير، ونحن في لبنان لدينا إمكانية لزراعتها.

كما أننا نتابع العمل بشكل دؤوب لتنفيذ القانون المتعلق بزراعة القنّب الهندي الذي أقرّه مجلس النواب العام الماضي، وهو أمر بالغ الأهمية ويجب العمل عليه لأن له جدوى اقتصادية كبيرة جداً. وهناك خبراء يعملون على هذا الموضوع الذي نستطيع القول إنه نفط لبنان. وقد تمّ إرسال المراسيم التطبيقــية لهذا القانون إلى وزارة الزراعـــة ويحتاج فريق العمل إلى بعض الوقت، لا سيما في الجانب القانوني، حيث يتابع اختصاصيون قانونيون هذا الموضوع لاستكماله في القريب العاجل.

الصناعات الغذائية

ولا يكتمل الحديث عن الزراعة والأمن الغذائي وزيادة الإنتاج إلا بالتطرّق إلى الصناعات الغذائية، وهنا قال الوزير مرتضى إننا بحاجة إلى تكثيف الدعم للمصانع الغذائية، وهذا ما سيحول دون كساد المواسم الزراعية، ويكون هناك وقت أطول للتأسيس لمرحلة جديدة على صعيد التصنيع الغذائي.

هذه الأطر التي يجب العمل عليها، خاصة على صعيد الصناعات الغذائية، فهذا موضوع مهمّ جداً واليوم عندما نذهب إلى تصنيع منتجـــات غذائـــية، فهـــذا يعني أن نذهب نحو منتجات تدوم لمدة أطول وتوفر أمناً غذائياً لمدة أطول، وفي الوقت نفسه تحول دون كساد المواسم وانخفاض أسعارها، كما يوفر لنا مساحة للتصدير إلى خارج لبنان وهذا ما يحصل فعلاً.

وعلى الدولة مجتمعة أن تدعم قطاع الصناعات الغذائية، فمعظم المنتجات الزراعية في لبنان قابلة للتصنيع، خاصة أنّ المواسم محدّدة في لبنان.

البيوت البلاستيكية

وتابع الوزير: نواجه في لبنان دائماً غلاء في أسعار السلع الزراعية في فصل الشتاء، وذلك سببه أنّ معظم البيوت البلاستيكية لم يعد أصحابها يعملون فيها. في لبنان نحو 100 ألف بيت بلاستيكي، منها 50 ألف بيت باتت فعلياً خارج الخدمة ولا تتمّ زراعتها. لذلك يجب أن نجد طريقة لمساعدة أصحاب هذه البيوت البلاستيكية لإعادتها إلى نشاطها الزراعي، وأنا أحاول عبر منظمات دوليات أن أؤمّن لأصحاب هذه البيوت مادة النايلون المستخدمة، خاصة في هذه الفترة حيث وصل سعر المتر إلى حدّ باهظ جداً.

إذنالبيوت البلاستيكية تمنع غلاء الأسعار وتوفر المنتجات الزراعية على مدار العام. كما نحاول أن ندعم الزراعات في البيوت البلاستيكية المتطوّرة أي التي تدخل فيها التكنولوجيا، وسنقوم بافتتاح مشروع مماثل في دوريس، نفذه عدد من الشباب، وهو مشروع مهمّ جداً وينتج الكثير. كما أننا ندعم الزراعات العضوية والتي أصبح الطلب عليها كبيراً جداً. ونعمل أيضاً لتوجيه الناس نحو الزراعات المائية.

البذور والشتول

وفي ما يخص توفير البذور والشتول للمزارعين أكد الوزير مرتضى أنّ الوزارة تهتمّ بتأهيل الكثير من مشاتلها، وقد تأخر موضوع دعم المزارعين بالبذور والشتول بسبب تأخر الموازنة، ونحن حتى الآن لم نصرف شيئاً منها بعد، وقد بدأنا بمناقصات لشراء هذه المواد وتقديمها للمزارعين، ولكنني في اتجاه آخر أعمل على مشروع الـ 15 مليار ليرة، وهو من ضمن خطة الأمان الاجتماعي، لشراء بذور وأسمدة واحتياجات زراعية لكي نقدّمها للمزارعين، وأيضاً هناك 10 مليون دولار اقتطعت من احتياطي مشروع الطرقات في مجلس الإنماء والإعمار، للوجهة نفسها، وأيضاً اتخذ قرار بـ 130 مليار ليرة لتوزيعهم على المزارعين كمساعدات وهبات، وأيضاً هناك ملفات عدّة نعمل عليها مع منظمات دولية، منها ما يتعلق بتقديمات ومنها ما يتعلق بالإرشاد الزراعي. كما نتعاون مع البلديات لمسح الأراضي سواء كانت جمهورية أو بلدية أو تابعة للأوقاف، لزرع كلّ مساحات الأراضي. والأهمّ في هذا الإطار هو استصلاح الأراضي، وهذا الأمر مكلف جداً، فلدينا 110 آلاف هكتار تحتاج إلى استصلاح، ويكلف استصلاح الدونم الواحد من 500 دولار إلى 6 آلاف دولار، حسب طبيعة الأرض، كلّ هذه الأمور تحتاج إلى جهد وعمل ودعم من الدولة، ونحن لا نستطيع أن نتطوّر ونتقدّم زراعياً بأموال قليلة.

وأشار الوزير مرتضى إلى العمل الجدي القائم على صعيد دعم بعض المدخلات الزراعية، والعمل جار الآن على دعم النصف الثاني من المدخلات مثل اللحوم. والمواد التي بدأ دعمها هي البذور والشتول ودرنات البطاطا والأسمدة بأنواع مختلفة والأعلاف والأدوية واللقاحات البيطرية للأبقار والأغنام والماعز والمبيدات الزراعية ومحسنات تربة وصيصان وأمهات وملكات نحل. كما طلبنا مواشي حية، وهذا الأمر حيوي جداً في ظلّ الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم.

حماية قطاع تربية الدواجن

ولفت مرتضى إلى الهجـــوم الذي يتعرّض له في بعض وسائل الإعلام لأنه اتخذ قراراً بوقف استيراد الدجاج المجلّد، وذلك بعد مراجعات تلقاها من نقابة مربّي الدواجن في لبنان، علماً أنّه تمّت الموافقة على هذا القرار في مجلس الوزراء. ويشرح الأمر قائلاً: نحن لدينا فائض في إنتاج الدجاج، البعض يقول أنّ ثمنه مرتفع لكن ذلك بسبب ارتفــاع الدولار، الصوص نشــتريه بالدولار والعلف وأدوية الدجاج كذلك. اســـتيراد الدجاج المجلّد يضرّ بقطاع إنتاج الدجاج المحلّي، وأيضاً يتمّ استيراده بالدولار، فلمـــاذا نستورد منتجـــات تنافس منتجاتنا المحلية وبالتكـــلفة ذاتها تقريباً. إذ استـــمرّ استـــيراد الدجاج فإنّ ذلك سيؤدّي إلى إقفـــال مزارع الدجـــاج في لبنان. نحن نسعى إلى حماية قطاعاتنا الإنتاجية وهذا أمر أساسي في أيّ دولة، حتى لا يتمّ تدمير القطاعات الإنتاجية.

الثروة السمكية

وعن الثروة السمكية كشف الوزير أنه قدّم مشروع قانون إلى الحكومة باستزراع السمكلدينا شاطئ بطول 220 كلم، ويُفترض أن تكون لدينا مزارع لجميع أنواع الأسماك التي نستوردها بشكل كبير. نحتاج إلى استزراع الأسماك في أحواض مخصّصة. هذا المشروع مهمّ جداً إذا أبصر النور وهو يفتح مجالات لقطاعات جديدة منتجة. هذا ما نركز عليه على هذا الصعيد، انطلاقاً من حماية وتطوير القطاعات المنتجات.

التعقيدات التي تواجّه المُصدّرين

ورداً على سؤال عن إمكانية مساعدة المصدّرين اللبنانيين وتسهيل أمورهم ومعاملاتهم، جزم الوزير مرتضى بأنّ وزارة الزراعة تعمل على تسهيل أمور المصدّرين وتيسيرها، وهناك تواصل دائم معهم. ويوضح أنه على صعيد الكلفة هناك إشكاليات، فهناك خط ترانزيت إلى سورية وقد طلبنا أن تصبح العلاقات أفضل وأن يكون التواصل بين لبنان وسورية من دولة إلى دولة لحلّ هذه المشكلة. هناك إشكالية مع الأردن، في ظلّ الاحتياطات التي تتخذها المملـــكة الأردنية في ما يخصّ خط الترانزيت، وهي لا تسمح للبرادات المحمّلة بالمواد الزراعـــية بدخول أراضيها وتتمّ العملية Back to Back. نحن نتواصل معهم ولكن هناك أيضاً تعقيدات طرأت تتعلق بوباء كورونا، خاصة أنّ أحد السائقين تمّ فحصه وتبيّن أنه مصاب.

نحن نستورد منتجات زراعية بنسبة 70 في المئة، وإذا استطعنا تخفيض هذه النسبة في المدى المنظور إلى 60 في المئة نكون قد حقّقنا إنجازاً كبيراً، لأننا نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح في مسار التحوّل من اقتصاد الريع إلى اقتصاد الإنتاج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى