ثقافة وفنون

راحت «النديم» فمع السلامة

} سمير رفعت

 أغلقت أم عادل مكتبتها بعد ثلاثين سنة من التعامل مع الكتاب والقلم والجريدة والحرف والحب.

اللافتة التي أزيلت عن المكتبة كانت تحمل اسم مكتبة النديم وسيفتقد سكان منطقة الظريف نديمَهم الذي عايشهم بكل حب طوال هذه السنين وعايش أم عادل المربية والأديبة والسيدة والأم والمواطنة.. المواطنة لأنها بادرتني حين دخلت مكتبتها أول مرة لأشتري جريدة البناء.. قالت: كنت في صباي أحضر حلقات إذاعية عند هاني بلطجي. أتعرفه! أجبتها طبعاً أعرفه جيداً، رحمه الله.. ومن يومها اعتادت أم عادل أن تتصل بي لتناقشني بما يكتب الأمين الياس عشي من حلو الكلام كل صباح في زاويته الثابتة في الصفحة الأخيرة من جريدة البناء: تقول لي: صديقك بل رفيقك اليوم قال كذا وكذا وكلامه كان موجعاً..

أغلقت أم عادل مكتبتها وجفّت معها رشفة القهوة التي كانت تقدمها لجاراتها في الحديقة التي لم تكن تتسع لأكثر من كرسيين في متر ومتر نصف، ولكنها كانت حديقة أين منها حديقة الصنائع على اتساعها، فقد كانت تنضح حباً وكرماً.

أغلقت أم عادل مكتبتها وحرمتني اقتناء «البناء» كل صباح لأنها الوحيدة في منطقة الظريف التي تتعامل مع هذا النوع العقائديّ من الجرائد ورحت بعد ان يتمتني مكتبة «النديم» أفتش عن طريقة أتصبّح بها بجريدة «البناء» غير الاشتراك السنوي الذي يلزمني أن أدفع مبلغاً كبيراً عداً ونقداً في هذا الظرف العصيب، والأجدى والأجدر أن توضع «البناء» في كل مكتبة من مكتبات الوطن وتكون واسعة الانتشار وفي متناول كل قارئ خاصة القراء أمثالي الذين لم يعتدوا التعامل مع وسائط التكنولوجيا الحديثة.

ذكرتني هذه الحادثة بسبعينيات القرن الماضي حين كنت رئيساً لتحرير البناء وكانت تصدر أسبوعياً مساء كل سبت، وكنت أكلف عدداً من الرفقاء والرفيقات من الطلبة الجامعيين أخذ كمية كبيرة من المطبعة والانطلاق بها الى شارع الحمراء الذي كان حينها ملتقى الأدباء والمثقفين خاصة مقهى «الهورس شو». كانوا يعرضون العدد مساء السبت والأحد فكنا نبيع مئات النسخ بهذه الطريقة اللبقة حتى أن أنسي الحاج، رحمه الله، كتب في ملحق النهار الذي كان يرأس تحريره يقول: «سمير رفعت استطاع أن يحوّل شارع الحمراء يومي السبت والأحد من ماخور الى شارع عقائدي».

أغلقت أم عادل مكتبتها وراحت اللافتة التي تحمل اسم «مكتبة النديم» وأنا ما زلت أفتش في المنطقة التي تحمل أيضاً اسم الظريف عن مكتبة تتعاطى «الصحف العقائدية»، فلا أسف على مقهى يغلق أبوابه بعد أن شرّع نرجيلة «المعسل».. أو مطعم يقدم «السوشي» لأصحاب اليد الطولى، أما أن تغلق مكتبة أبوابها بعدما وزعت أطناناً من الورق والحبر والحبر والحبر.. يا لها من كارثة بيئيّة.

أغلقت أم عادل مكتبتها وخسرت الظريف ملجأ دافئاً

مع الكتاب والقلم والجريدة والحرف والحبّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى