الوطن

إيعاز أميركي بإسقاط حكومة الرئيس دياب

} شوقي عواضة

أعلن وزير الخارجيّة اللبنانيّة ناصيف حتي تقديم استقالته لأسبابٍ عديدةٍ أهمّها وفقاً لما جاء في بيانه بعد الاستقالة أنّ (لبنان اليوم ليس لبنان الذي احببناه واردناه منارة ونموذجاً، لبنان اليوم ينزلق للتحوّل الى دولةٍ فاشلةٍ لا سمح الله، وانني اسائل نفسي كما الكثيرين كم تلكّانا في حماية هذا الوطن العزيز وفي حماية وصيانة امنه المجتمعي، انّني وبعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذّر اداء مهامي في هذه الظّروف التاريخيّة المصيريّة ونظراً لغياب روية للبنان الذي أومن به وطناً حرّاً مستقلاً فاعلاً في بيئته العربية وفي العالم، وفي غياب ارادةٍ فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشّامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدّولي للقيام به) مضيفاً (انّ المطلوب في عملية بناء الدولة عقولاً خلاقة وروية واضحة ونوايا صادقة وثقافة موسّسات وسيادة دولة القانون والمساءلة والشّفافية) وعلى ضوء تلك الاستقالة وما جاء في أسبابها من حقّنا أن نسأل معالي الوزير حتي ماذا قدّمتَ للبنان منذ توليك وزارة الخارجية من مطلع العام الحالي وحتى تاريخ اليوم؟ وما هي المواقف والإنجازات التي تمّت عرقلتها واستدعتك إلى تقديم استقالتك؟

منذ توليك وزارة الخارجية في الحكومة اللبنانية مطلع العام الحالي وحتى اليوم لم يصدر عن معاليكم موقف وطنيّ يعبّر عن جدّية عملك من أجل لبنان، بل إنّ المواقف التي صدرت عنك لم تكن بالمستوى المطلوب لمواجهة التحديات التي يواجهها لبنان، لا سيّما على المستوى الدّيبلوماسي حيث كانت أغلب مواقفك تدلّ على استرضاء بعض الدول وبالأخص الولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا ونظام آل سعود. أولى تلك المواقف يا معالي الوزير برزت في 26 حزيران الماضي حين (استدعيت) السّفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا على خلفية تصريحاتها ضدّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله التي اعتبرت «أنّ الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله يهدّد استقرار لبنان، وأنّ الحزب يمنع الحلّ الاقتصادي فيه». تصريحاتٌ تحريضيّةٌ نتيجة التدخلات الوقحة التي مارستها السّفيرة شيا استدعت أن تحلّ ضيفاً عليك في الخارجية حيث لم يصدر أيّ موقف عن الاستدعاء الذي لم تذكّر خلاله السفيرة بالمادّة 41 من اتفاقية فيينا التي تدعو جميع سفراء الدول إلى احترام قوانين الدولة المعتمدين لديها ومراعاة أنظمتها وعدم التدخّل بشؤونها الدّاخلية بل تحوّلت جلسة الاستدعاء إلى جلسة مباحثات بينكما استمرّت نصف ساعة ناقشتما فيها قرار القاضي محمد مازح بمنع وسائل الإعلام اللبنانية من نقل تصريحات السفيرة شيا التحريضية لتؤكد معاليك للسفيرة على حرية الإعلام وحقّها في التعبير اللذين هما حقّان مقدّسان ولتخرج بعدها السفيرة وتعلن من منبر الخارجيّة اللبنانية أنّ لقاءها معك كان إيجابيّاً وأكدتما فيه على العلاقات الثنائية بين البلدين وناقشتما قرار القاضي الذي طويتما صفحته. هكذا كان موقفك الوطني والسيادي من التدخّل السّافر والوقح لسفيرة الولايات المتحدة في بيروت.

تلا ذلك يا معالي الوزير حادثة اعتراض الطّائرات الأميركية لطائرة إيرانيّة في الأجواء السورية في 23/7/2020 وعلى متنها ركاب مواطنون لبنانيون يحملون الجنسيّة اللبنانيّة قادمين من طهران كادوا أن يكونوا ضحايا عدوانٍ أميركي جديدٍ كاد أن يؤدّي إلى كارثةٍ لولا اللّطف الإلهي، ورباطة جأش قائد الطائرة، وبالرّغم من سقوط عددٍ كبيرٍ من الجرحى لم تبادر معاليك إلى إدانة الاعتداء أو استنكاره أو التفوّه بأيّ حرفٍ يدين الاعتداء الأميركي. فعن أيّ لبنان سيادي تتحدّث؟ عن لبنان الذي لم تستطع فيه منع تدخّل السفيرة الأميركية أم عن لبنان الذي تمنّيته أن يكون دولة مؤسّسات ومساءلة؟

تمنّينا مثلك يا معالي الوزير أن يكون لبنان دولة مؤسّسات تستطيع من خلاله أن تضع حدّاً لتدخلات السفيرة الأميركية في بيروت في شؤوننا الدّاخلية، وتساءلنا مَن منعك من القيام بذلك ولم نجد جواباًفتشنا يا معالي الوزير عن السبب الذي دعاك لإصدار بيانٍ يدين استهداف اليمن المحاصَر للسعودية التي تشنّ عليه عدوانها منذ أكثر من خمس سنوات. وما الذي أثار غضبك (العروبي) للتّضامن مع آل سعود ولم نرَ نفس نخوتك العروبيّة ترتجل المواقف اتجاه سورية!

فتشنا في معاجم السّياسة عن معنى الحياد الذي تبنّيته في أقدس القضايا وهي المقاومة التي لم تجرؤ على الدّفاع عنها في الوقت الذي رأيناك مقاتلاً شرساً تدافع عن العدوان الأميركي السّعودي على اليمن وتبرّر استمراره تلك المقاومة التي حمت الوطن بدماء أبنائها وصمود شعبها من العدوان الاسرائيلي والإرهاب التكفيري. في الوقت الذي كنت تبحث فيه كما قلت عن ارادةٍ فاعلةٍ في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشّامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدّولي للقيام به) أصبح من الواضح أنّك فعلاً واجهت عوائقَ كبيرةً ومُنعت من تنفيذ مطالب المجتمع الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تضع على رأس مطالبها نزع سلاح المقاومة مقابل تحسين الوضع الاقتصادي في لبنان، وهذا ما أشارت إليه السّفيرة الأميركية في بيروت في تصريحها الذي استضفتها على أثره في الخارجيّة.

تمنينا منك يا معالي الوزير أن تصنع نصراً واحداً يشبه بعض انتصارات المقاومين، تمنينا أن تدين تهريب العميل عامر فاخوري في أكبر عملية هتكٍ للسيادة نفذتها إدارة ترامب، لكن ذلك لم يحصل، وما حصل من خلال تقديم استقالتكم هو إعلان الساعة الصفر بإيعاز أميركي لإسقاط حكومة الرئيس حسان دياب بالتزامن مع صدور قرار المحكمة الدولية وإعادة ضعضعة الاستقرار الأمني مع المزيد من الضغوط الاقتصادية على لبنان وإشعال المزيد من الفتن. والدخول في معركة إسقاط سلاح المقاومة التي ستنتصر فيها إرادة اللبنانيين المقاومين رغم كلّ المؤامرات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى