ثقافة وفنون

مدينـة ثـكلى

} زياد كاج*

كل الموتى قديسون،

كل الأحياء مشاريع موتى،

كل الشعوب قديسة.

تستيقظ المدينة الثكلى

إثر حمام من الدم

من الغبار،

من أنين الآلام،

بعد  عفن إهمال

 نام حتى شاب الدهر.

وذاك الشكل الأحمر الدائري

يصعد

ليشاهد المزيد

في «بيروت شيما».

ونحن

كالنمل نزحف من أوكارنا

علب السردين،

نخفي عيوبنا بثيابنا

ثم تأخذ فيروز بأيدينا

كالأولاد في يوم المدرسة الأول،

فنصبح شعباً واحداً

مسرعاً

في غابة من الأرجل والدواليب،

ثم يبدأ وعاء المدينة بالغليان:

ها نحن نشرب القهوة والأيام المرة معاً،

ونرمي أعقاب السجائر

في مياه الأنهار الكريمة،

ننسى النشيد ونحفظ الأغاني الأجنبية

لأهداف سياحية.

نتبادل القبلات والمقبلات

والشتائم والعزائم،

نفركش بعضنا البعض

ونحبّ بعضنا البعض

«حتى الموت»!

قلوبنا طيبة، يقال..

وتتطاير أشلاؤنا ، ثيابنا، أوانينا

شرقاً وغرباً

في «بيروت شيما»

فهل من يضمّد جروحنا،

 يواسينا؟

سوى نور قمر فضي حزين

يضيء ليالينا.

وكم مرة دفنت أنت أبي؟

وأنا دفنت أباك؟

وأختلطت دماؤنا وتبعثرت

حتى رطب زفت الطرقات،

يعجز العجوز المحنك:

هل دموعنا لفرح أو عزاء.

وطن من دموع

وأكفان على الأكتاف!

وطن يغتال فيه سواد العزاء

بياض وأحلام الأعراس!

نأكل من الصحن نفسه

تكبر كروشنا

والغيمة السوداء

كالبومة تحوم فوق رؤوسنا.

ونهوى أكل الجبنة على أنواعها

وأولادنا يحملون رايات الآخرين،

ونحسن لعبة الأقنعة

وضيافتنا قاتلة،

ونمسك بأطراف بقايا وطن

كالشرشف في عز الشتاء.

عند المساء،

يبدأ انسحابنا البشري

ونسحب مراهناتنا

همومنا والآهات،

ونعود الى أوكارنا من جديد،

نحكم إقفال النوافذ

فالمنازل كثيرة في بيتنا الصغير،

وننام كالخراف والرعاة كثر

والذئاب أكثر.

فجأة ندرك أننا أسرعنا قليلاً في دفن موتانا

في مدينة الموت المجاني،

في «بيروت شيما».

وذاك الشكل الأحمر الدائري

يغوص متعباً

في المياه المالحة

كأنه يعرف جيداً

أننا لسنا سوى ظلال

لمن هم في الأسفل.

ترى أين أختفى القتلة؟

ترى

هل نحاول من جديد؟

ملاحظة: نُشرت هذه القصيدة في أول مجموعة شعرية لي سنة 2003 عن دار «نلسن» في بيروت.

*روائيّ لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى