الوطن

هل يعجّل انفجار المرفأ في إنضاج التسوية وتشكيل الحكومة؟

} علي بدر الدين

من المؤسف والمؤلم أن تتعاطى الدولة والقوى السياسية على اختلاف مكوّناتها مع انفجار مرفأ بيروت وتداعياته الكارثية الآنية والمستقبلية بخفة وبرودة ولا مبالاة ومن دون اية ردة فعل غاضبة تكون على مستوى الأخطار والمصائب التي حلت بالبلاد والعباد والتي ستبقى جرحاً نازفاً في ذاكرة بيروت وتاريخها وأهلها يؤلم الأجيال المتعاقبة ويذكرها بأسوأ طبقة سياسية وأكثرها فساداً ونهباً وتحاصصاً شهدها لبنان منذ إعلان دولة لبنان الكبير سنة ١٩٢٠.

وكان مئات الضحايا وآلاف الجرحى وعشرات المفقودين وتدمير الأبنية والبيوت والمستشفيات والمدارس والشركات التي تحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادة بنائها أو تأهيلها وعودة أصحابها الذين باتوا بلا مأوى ومهجرين من مناطقهم ومنازلهم الى المدارس وبعض الفنادق وبيوت الأقرباء والأصدقاء. تعرّضوا لانفجار شهد لبنان مثله الكثير ويعبر كما غيره ويوضع في جارور الأمانات ثم يقفل لعدم وجود الأدلة، ولا فائدة من العودة إليه إلا عندما يحصل انفجار آخر لترقيم عدد الانفجارات وتواريخها وضحاياها وخسائرها.

انّ الطبقة السياسية وحكوماتها المتعاقبة هي وحدها من يتحمّل المسؤولية كاملة عن انفجار المرفأ، ومن الخطأ الكبير والفاضح لها ان تعتبر للحظة أنها قادرة على تبرئة نفسها وغسل أياديها من جريمة العصر لأنها خانت أمانة المسؤولية وأفسدت وتحاصصت وحرمت وأهملت وسلّمت الوطن والشعب ومؤسسات الدولة وإداراتها الى أزلامها وسماسرتها الذين عاثوا في كلّ ما طالته أيديهم فساداً وظلماً واستبداداً وكانوا لها العين التي لا ترى الا مصلحة وليّ الأمر والنعمة، والآذان الطرشاء التي لا تسمع أنين الناس ووجعهم وصرخاتهم وجوعهم، واليد الظالمة التي لا تعرف إلا الحقد والبطش والقمع، ولا تحمل الا السوط لإسكات كلّ همسة مواطن يطالب بأدنى حقوقه.

هذه الطبقة التي لم يرفّ لها جفن أو ينتابها الغضب تمارس حياتها وهواياتها كأنّ مدينة بكاملها لم تتعرّض للتدمير وشعباً لم يتعرّض للإبادة والتشريد وخسارة جنى الأعمار، ولا تستحي من غيابها عن معاناة الشعب وما ألمّ به، وتحاول تعويم نفسها على جثث الناس ودمائهم وعلى أنقاض بيروت وحطامها وركامها، بذريعة تشكيل حكومة على شاكلة حكوماتها السابقة الفاشلة والعاجزة والفاسدة، التي أسقطت البلد وأفقرت شعبه وقتلته وهدمت كلّ ما بناه. وهي تدرك انّ الشعب اللبناني إلا قلة تابعة ومرتهنة ومستفيدة لا يريدها ولا حكوماتها ولا حتى وجودها في الحياة السياسية، ورغبته الشديدة في أن تحاسب وتعاقب خلف القضبان. وهذا قليل بحق كلّ فاسد وسارق ومتواطئ وشريك وقاتل.

وتدرك أيضاً وجيداً ان لا قرار لها ولا رأي بتشكيل الحكومات لا الماضية ولا الآتية، وخاصة انكشافها كلياً بعد زلزال انفجار المرفأ. وانّ دورها يقتصر فقط على إدارة السجال والتجاذبات ومن يكون رئيس الحكومة الجديدة وما هو اسمها وعنوانها وشكلها وعددها وكيف توزع حقائبها السيادية الخدماتية والتي لا لون لها ولا دور. المطلوب منها فقط إلهاء الناس وشراء الوقت بانتظار التفاهمات والتوافقات الإقليمية والدولية وتقاطع مصالحها وتموضع نفوذها وتوزيع الحصص من مقدرات هذا الوطن المصادر من الخارج والمذبوح من سياسيّيه وحكامه الذين يتبادلون الأدوار والرقص على جثث أبنائه وأنقاض بيوتهم، حتى أنهم لم يلتفتوا الى حال الناس ومعاناتهم ومأساويتهم فلا قدّموا العزاء بالشهداء، ولا عادوا الجرحى، ولا جالوا بين الركام، ولا تفقدوا أعمال البحث عن المفقودين، ولا تبرّعوا من أموال الشعب والدولة التي نهبوها وهربوها الى الخارج. همّهم ينحصر بكيفية حماية مصالحهم وحصصهم من غنيمة تشكيل الحكومة ولا مانع عندهم من اقتطاع نسبة من المساعدات الدولية التي سيكون ثمنها مكلفاً جداً على ما تبقى من سيادة لبنان، لأنّ الدول الأجنبية التي تتزاحم على الدخول إلى لبنان من بوابة الإغاثة والمساعدة ليست جمعيات خيرية باستثناء دول متواضعة صادقة لا خلفيات ولا مصالح لها ولا علاقة لها في لعبة المحاور.

وبدلاً من ان تتلهّى الطبقة السياسية التي تعتبر نفسها صاحبة القرار والحلّ كان عليها ان تحسم أمرها سريعاً لتعيين المحقق العدلي الذي يتصف بشروط العدالة والنزاهة والكفاءة، لأنه لم يكن من المقبول التصارع على اسم المحقق المطلوب تعيينه فيما البحث لا يزال جارياً على المفقودين والدماء لا زالت تنزف والشهداء لم توار أجسادهم الطاهرة في ثرى الوطن.

كيف لسلطة سياسية أن تنجح في تشكيل حكومة من نوع مختلف عن حكومات سابقة؟ وكيف لشعب ذاق الويلات والنكبات والمصائب منها ان يثق بها مجدّداً وهو المقتول والمكتوي بنارها؟

لا حكومة قريباً وكلّ التواريخ التي تحدّد بدء الاستشارات النيابية الملزمة وتسمية من سيكلف بالتشكيل وولادة الحكومة لعب على الناس، والوقت وليس له أساس من الصحة. لا حكومة ومهما طال الزمن إلا بحصول تسوية إقليمية دولية ربما يجري الحديث عنها ولا مؤشرات او معطيات جدية توحي أنها على طبختها وضعت بعد على نار هادئة، ولم نسمع إلا بمحاولات يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من خلال الاتصالات عن بعد مع الدول المعنية بالتفاوض والتسوية. كما انّ زيارة الموفد الأميركي ديفيد هيل التي لا تخلو من التهديد وفرض الشروط الأميركية التي لها علاقة بصفقة القرن وقانون قيصر وتنفيذ القرارات الدولية والتي على نتائجها يتحدّد اتجاه البوصلة وحتماً لن يكون لمصلحة لبنان.

فهل يمكن الركون إلى جعجعة الطبقة السياسية وضجيجها وادّعاءاتها بأنها صاحبة قرار وهي لا تستقوي إلا على هذا الشعب الفقير والمعدوم والمظلوم والمنكوب. فعلاً «اللي استحوا ماتوا» و «انْ لم تستح افعل ما شئت».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى