أخيرة

الحاجة إلى خطة ثقافيّة تحميه من الاندثار..

فن النقش على النحاس حرفة دمشقيّة تباهت به أذواق وفخرت به قصور ومنازل

} راما رشيدي

مطرقة حديد وأقلام للحفر والتخطيط وقاعدة خشبية وبيكار.. أدوات يبدأ بها العم أيمن زردة رحلته يومياً لصناعة تحفة نحاسيّة دمشقيّة تشق طريقها لاحقاً وتستقر في أحد المنازل السورية أو العربية أو الأوروبية.

بين قطع نحاسية معتقة برائحة وغبار الماضي يتوسط الحرفي زردة محله الكائن في سوق مدحت باشا مصدراً صوت «الدق»المميّز بمطرقته الصغيرة التي ينقش بها القطعة الممتدة أمامه «نختار أولاً القطعة التي نريد العمل عليها ونرسم الخطوط البدائيّة ثم نبدأ الحفر يليه تحديد الإطار الخارجي للرسمة المختارة من قبل الزبون ومن ثم ننقش الجنازير وننجف الرسم المحدّد لإبرازه بشكل أكبر وصولاً إلى الخطوة الأخيرة التي يتم فيها مسح القطعة النحاسيّة بمواد خاصة لإظهار اللمعة».

مهنة النقش على النحاس التي ورثها العم زردة «أحد الحرفيين القلة الذين ما زالوا يمارسون هذه المهنة في دمشق» تعلّمها من والده منذ السبعينيات واستمرّ بتجسيدها حتى اليوم رغم تغير استخدامها عبر الزمن والتعديلات التي لامست أشكال النحاس ونقوشه.

عراقة المــهنة لم تغــفر لها مكانــتها بالحــفاظ علــى الاستخدام اليومي لقطع النحاس المنقوشة كما كان متعارفاً عليه سابقاً فتحولت اليوم معــظم منتجات النــقش على النحاس إلى أدوات تراثية للزينة ما زال يرغب العــديد من السوريين باقتنائها كصمديات في المنزل أو كهدايا للمغتربين أو يتمّ تصديرها إلى الدول العربية والأوروبية وفق الحرفي زردة.

ورغم تراجع انتشار المهنة في العصر الحديث إلا أن الخيارات المتاحة لأشكال وقطع النقش أصبحت أكثر كما ذكر زردة: «قديماً كنا نعمل ضمن نطاق ضيق كالأواني المنزلية والصواني أما في الوقت الحالي فأصبحت الخيارات متاحـــة بشكل أكبر كالنقش على جرن النحاس ومصب القهوة وتزييـــن اللوحــات والثريات والمباخر والصناديق والمصابيح النحاسية»، وتابــع «التصدير إلى خارج سورية بات أوسع لأن شهرة النقش الدمشقي امتدت إلى الوطن العربي وأوروبا والعديد من زبائننا كانوا أجانب».

ويحتاج النقش على النحاس جــهداً وتركــيزاً ودقــة كبيرة حيث تتراوح مــدة العمل على القطعة الواحــدة من ثلاثــة أيام الى أســبوع حــسب حجم القطــعة وطريقة النقــش وطلب الزبون وفق زردة، مبيناً أن بعض الاشخاص يطلــبون كتابة حكمة على القطعة النحاسية أو أسمائهم أو رسم محدد خاص بهم.

ابتعاد الجيل الجديد عن المهنة وعدم تعلمها ينذر بخطر اندثارها ما يتطلب جهوداً كبيرة لدعمها وتشجيع الشباب على تعلمها وفق رأي الحرفي أيمن الذي قال بحرقة المحبّ «هناك مشكلة حقيقية لأن الجيل الصاعد لا يهتم بالأعمال التراثية لكونها متعبة وليس لها وارد مادي كبير.. لا بد من التوعية حول أهمية هذه الأعمال وضرورة المحافظة عليها وتوليد الرغبة بتعلمها، لأنها من السمات المميزة للهوية السورية».

ويتصف النقش الدمشقي على النحاس بالجمال والدقة والعراقة منذ آلاف السنين فيما اشتهرت منذ سنوات بعض النقوش الدخيلة على هذه المهنة كالنقش الطرابلسي اللبناني والفرعوني المصري والعجمي الذي يختص به أهل فارس، وفق العم زردة.

            (سانا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى