الوطن

حطت الطائرة… وطار الأمل في زمن البدع!

 علي بدر الدين

يبدو أنّ اللقاء بين الرؤساء العماد ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب، الذي فرضته رحلة التعزية المشتركة إلى الكويت ذهاباً وإياباً، لم تؤت ثمارها على الصعيد الحكومي، ولم تترجم تمنيات اللبنانيين التفاؤلية، الذين عبثاً انتظروا تصاعد الدخان الأبيض من الطائرة الرئاسية، لحظة هبوطها على مدرّجات مطار بيروت. بدلاً من ذلك طار التفاؤل الموعود واختفى، وطار معه أمل التكليف والتأليف، حتى إشعار آخر غير معلوم.

مصدر التفاؤل برحلة الكويت أنّ الرئيسين رغم تباعدهما الكوروني في الطائرة، كان بإمكانهما سماع بعضهما حتى لو همسا، نظراً إلأى هدف الرحلة. وللصراحة والوضوح في الحديث حول الحكومة، وقضايا داخلية أخرى، لا تقلّ أهمية عن البحث في تشكيل الحكومة، والأهمّ في هذه الرحلة التي قد لا تتكرّر مرة ثانية، أن لا دور لبعض المتسلّقين من المستشارين الثرثارين الذين يفسدون أيّ طبخة من أيّ نوع، ما أتاح للرئيسين تبادل الآراء بهدوء وروية بعيداً عن ألسنة هؤلاء ووشوشاتهم، وعن عيون النمامين والحاسدين الكثر .

الواضح، أنّ هذا اللقاء الجوي لم يكن كافياً لحديث طويل عن الحكومة، التي يجب ان تولد قيصرياً أو طبيعياً لا فرق، خاصة أنّ البلد دخل في استحقاقات حاسمة وصعبة ومعقدة، ليس إطار اتفاق ترسيم الحدود البحرية آخرها. هذا وحده يحتاج إلى حكومة فاعلة، وإلى متابعة حثيثة وجهود مضاعفة، لأنّ الخطأ، مهما كان نوعه وحجمه ممنوع وقد تكون تداعياته خطيرة جداً على لبنان وشعبه ونفطه وغازه، خاصة أنّ التفاوض سيكون مع عدو شرس وغاصب ولئيم وصاحب مشروع جهنّمي لتحقيق حلمه الصهيوني القديم المتجدّد بوضع اليد والسيطرة على ثروات لبنان المائية والنفطية والغازية، وعلى ترجمة شعار الحركة الصهيونية الذي يقول «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل».

الأخطر في عملية التفاوض حول الترسيم، أنها برعاية الحليف والداعم السياسي والمالي والعسكري والمنحاز غير النزيه للكيان الصهيوني منذ عقود طويلة الولايات المتحدة، وأيضاً الأمم المتحدة التي لا تختلف عن الرعاية الأميركية إلا بالاسم.

البعض يرى أنّ الإعلان عن إطار اتفاق ترسيم الحدود البحرية، ربما حصل، ولبنان يعاني كثيراً داخلياً وخارجياً، ومن دون حكومة فعلية، ومنهار اقتصادياً ومفلس مالياً ومؤسّساته مشلولة ومعطلة، والفقر «يضرب أطنابه»، والمجاعة تطرق أبواب اللبنانيين، والبطالة تحوّلت من مقنّعة الى مكشوفة وهي تقضّ مضاجعهم، والطبقة السياسية في صراع لا ينتهي على المصالح والتحاصص في كلّ صغيرة وكبيرة.

الأسوأ أنها تخلت عن قرار لبنان وجيّرته لصالح دول إقليمية ودولية، والحبل يطول ويتسع لنشر غسيل السياسيين الوسخ، الذي بات عصياً على التنظيف، ولكن

هذا لا يعني أنّ رهن قرار لبنان وحقه وخيراته في النفط والغاز والمياه والأرض، لأيّ كان من الدول القريبة والبعيدة سهل ومتاح، وكأنها أملاك سائبة من دون شعب حقيقي يدافع عنها ويقدّم من أجل حمايتها المهج والأرواح والدماء.

 من غير المقبول سياسياً ووطنياً وأخلاقياً، أن يبقى الوطن والشعب من دون حكومة مسؤولة وقوية، أو تحت رحمة طبقة سياسية فاجرة وتاجرة وفاسدة، تتحكّم بهما منذ ثلاثة عقود، وقد أردتهما بتغليب مصالحها ومواصلة خلافاتها على النهب والهدر والمحاصصة، وبفضلها الشعب ينازع والوطن يحتضر، ولا تزال مصرّة على البقاء والتمسك بالسلطة حتى لا يبقى وطن ولا بشر ولا حجر على حجر. وقد حان أوانها للرحيل، لأنها لا يمكن أن تبدّل جلدها، أو تغيّر نهجها، أو تتخلى عن مصالحها وامتيازاتها وثرواتها المتراكمة الموزعة على مصارف خارجية.

لبنان اليوم واقف على حدّ السيف، والخطر محدق به داخلياً وخارجياً ومن كلّ حدب وصوب. ولا وقت للمماطلة والتسويف وانتظار المجهول أو الخارج لتشكيل الحكومة اللبنانية، لأنّ دول القرار مشغولة بمشاكلها وتبحث وتخوض الحروب من أجل مصالحها، ولا أحد منها، يقدّم نفسه على أنه جمعية خيرية وإنسانية واجتماعية، ويعمل مجاناً لوجه الله. كلّ عمل أو خدمة تقدمه هذه الدول الخارجية له بدل وثمن سيادي وسياسي واقتصادي يفوق قدرة الدول والأنظمة التي تبيع وطنها وشعبها لتحمي وجودها السلطوي والمصلحي وتوريثه للخلف غير الصالح، و»من شابه أباه ما ظلم».

ما يشهده اللبنانيون من تعطيل مقصود لمحركات مكونات الطبقة السياسية الحاكمة، في ما يتعلق بتشكيل الحكومة، لا يبشر بالخير ولا يؤشر الى التفاؤل، ولا ينبئ بأنّ قطار المشاورات والاتصالات سينطلق الأسبوع المقبل. والسؤال، لماذا لا ينطلق اليوم قبل الغد واستثمار الوقت قبل فوات الأوان؟ هذا ما يوحي أنّ الاتفاق الرئاسي تعذر في الجو على زمن ونقطة الانطلاق، والتفاصيل الصغيرة حيث يكمن شيطان المصالح والعرقلة، الذي رمى بثقله لاتخاذ قرار فرملة المسعى الحكومي المحلي العاجز عن إصدار قرار التشكيل بكلّ حيثياته وتفاصيله وغلبته.

إنّ غياب قرار التشكيل الداخلي أعاد المحاولة لإحياء المبادرة الفرنسية من خلال الترويج لزيارة وفد فرنسي مغاير للوفد السابق الذي فشل في مهمته الأولى، وكأن المشكلة بالوفد وليس بالطبقة السياسية اللبنانية. والبعض الآخر يجزم ان لا حكومة قبل معرفة نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفريق ينتظر زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى لبنان آخر الشهر الحالي. والبعض يطالب بتعويم حكومة تصريف الأعمال، مع أنها كانت موجودة، ولكن، خلافات القوى السياسية ومصالحها هي التي صرفتها وأفرغت البلد من ظلّ حكومة مع أنه أفضل من ظل الفراغ.

ببساطة، انّ تشكيل الحكومة قبل أشهر غير وارد، وقد تمّ ركنها الآن في الثلاجة، حتى تنضج كلّ طبخات العالم بما فيها طبخة الحكومة في لبنان، كل تسويق في السياسة والإعلام حول معاودة الاتصالات والمشاورات بشأن تشكيل الحكومة، لا يعدو كونه مجرد ذرّ الرماد في العيون، وهو باطل، ولا صحة له، وإنْ حصل فهو للتمويه والإلهاء، خاصة انّ التأليف مطروح أولاً، ثم التكليف، عكس المعتمَد. ويجب ألا ننسى أن لا قرار بشأن تشكيل الحكومة، يمرّ دون موافقة ورضى وقبول رؤساء الحكومة الأربعة السابقين في بدعة آخر زمن، وفهمكم كفاية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى