الوطن

النهايات ليست أفضل من البدايات لأنّ «الفاخوري» لن يتغيّر

} علي بدر الدين

المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل ساعات من الاستشارات النيابية الملزمة، لم تكن صدفة أو في توقيت خاطئ، أو أنه أراد تقديم مبرّرات وذرائع دفاعية عن سلبيات وإيجابيات ووقائع وحقائق طغت على المشهد السياسي والاقتصادي والمالي وتداعياتها في السنوات الاربع الماضية من عهده، وما تعرّض له من تصويب واستهداف لإفشال مشروعه في الإصلاح والتغيير والمحاسبة.

يبدو أنه من خلال هذه المواقف الاستثنائية وغير المسبوقة قصد توجيه الرسائل لمن يعنيهم الأمر، وفي مقدّمهم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ومن معه وخلفه، جدياً كان، أو نكاية أو كيدية، وأنّ فرص الانتقام والعزل، وتهبيط الحيطان لن تؤتي ثمارها، لا الآن ولا في الغد أو بعده، وقد قالها بالأمس وفي العلن إنه «يقول كلمته و لن يمشي»، ونقطة على السطر.

كان واضحاً أنّ إعلان الرئيس سعد الحريري ترشحه للتكليف قبل أن تكلفه الاستشارات النيابية الملزمة وفق الأصول المعتمدة، لم يرق لرئيس الجمهورية، أو يتقبّله، لأنه على ما برز من مؤشرات، أنّ قوى إقليمية ودولية فرضت إعلانه بغية ترجمته وتحويله إلى واقع حقيقي وجدي.

أنّ تكليفه اليوم لتأليف الحكومة يثبت صحة هذه التوقعات، والمخطط المعدّ للوصول إلى هذه المرحلة التي تنبئ بتغيير قواعد اللعبة والمواجهة وشدّ الحبال، و»النصر»، حليف من لا يصرخ أولاً. إنه بطبيعة الحال الشعب اللبناني الذي لطالما دفع أثماناً باهظة لتقاطع مصالح الطبقة السياسية أو تعارضها، وهذا أمر ثابت لا نقاش فيه ولا جدال حوله، وشواهد الفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال أمامكم وظاهرة للعيان من القاصي والداني.

إنّ السواد الذي يخيّم على المشهد العام في لبنان، يوحي بأنّ الآتي لن يكون أفضل على الرغم من أنّ الرئيس عون، لم يقطع شعرة الوصل والودّ مع المكوّنات السياسية الأخرى لأنه لم يطلق العنان لكلامه، ويسمّي من هو المعرقل والفاسد والمرتكب، ومن هي الجهة التي تنفذ أجندات خارجية، ومَن من الطبقة السياسية والمالية الحاكمة أو هي خارج الحكم التي نهبت الأموال العامة وهرّبتها إلى الخارج. أمور كثيرة لدى عون ليقولها، ولكنه لم يفعل، لأنه إذا فعل وهذا ما كان متوقعاً منه، فإنّ سكة الإصلاح والتغيير والمحاسبة ستسلك الطريق الصحيح وتحدث الفرق والصدمة الإيجابية المطلوبة منذ زمن، وينتظرها اللبنانيون على أحرّ من الجمر.

هذا يعني أنّ هناك بصيص أمل لا يزال يخيّم في الأجواء السياسية، بضمانة بعض دول الخارج من خلال إحياء المبادرة الفرنسية، وتثبيث السلطات الثلاث في مواقعها السلطوية، وفق ما أعلنه الأميركي دايفيد شينكر، وانكفاء الدور السعودي أقله بالعلن، وإعلان الرئيس عون انه «سيقول كلمته ولن يمشي».

انّ عدد الأصوات التي نالها المكلف ليست مؤشراً يُعتمد عليه للتأليف الخاضع لقرار توافقي خارجي، وتسهيل داخلي بضغط من دول القرار الإقليمي والدولي وتقاطع مصالحه. هذا لا يعني بطبيعة الحال أنه حاصل، أقله راهناً. وأنّ الحكومة ستسلك طريق التأليف، وأنّ الشركاء في الوطن في الفساد والتحاصص وأكلة جبنة المواطن، تصالحوا وتحاببوا وأعفوا عن بعضهم البعض، وطردوا الشياطين من صفوفهم ونفوسهم، وتابوا توبة نصوحة لا تراجع عنها.

المهم في تكليف الحريري أنه شكل له ضمانة وحصانة، ولم يقدر أحد ان ينتزع التكليف منه، لأنه غير محدّد بوقت أو مهلة أو قانون، وأنه ليس في عجلة من أمره للتأليف، لأنه لن يقدم جديداً لحلّ أزمات لبنان ومشكلاته المزمنة المتراكمة التي أصبح من المستحيل إخراج لبنان وشعبه مما هو فيه بالعقلية والطبقة السياسية ذاتها التي أغرقته وأسقطته بسلوكها الإفسادي التحاصصي والطائفي والمذهبي والمصلحي.

لن يعوّل الشعب اللبناني كثيراً على التكليف ولا على التأليف، ولا على تغيير النهج السياسي والاقتصادي والمالي والمعيشي والاجتماعي والإداري، لأنّ من «جرّب المجرّب كان عقله مخرّباً».

بعد نجاح قطوع الاستشارات والتكليف وإنْ على مضض ولظروف دولية قاهرة وداخلية خجولة، فإنّ معركة التأليف ستكون حامية الوطيس، وتتحوّل إلى حلبة صراع من نوع آخر، ولن يكون فيها غالب أو مغلوب، ولن يصفر الحكم لإعلان النهاية لأنّ بداية النهاية ستحسمها للأسف نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومسار اتجاه رياح السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة ومنها لبنان.

المتوقع في الآتي من الأيام أو الأسابيع جولات وصولات من التصعيد السياسي والخطاب الطائفي والمذهبي وتبادل الإتهامات وتحميل المسؤوليات بين قوى السلطة، وترك المواطن في مهب الريح يقلع: شوكه بيديه»، ويبقى فريسة سهلة للفقر والجوع والبطالة والمرض.

لا يتوقعن أحد أن تكون النهايات أفضل من البدايات لأنّ «الفاخوري» لم يتغيّر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى