الوطن

هل ينتفض اللبنانيون
على «الثورة» المزعومة؟

 

} د. وفيق إبراهيم

ترتبط انطلاقة هذه «الثورة المزعومة» كما تقدّم نفسها إعلامياً باستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة قبل سنة تقريباً كما تتزامن عودته الحالية الى تشكيلها مجدداً مع الذكرى السنوية الأولى لولادتها.

خلال هذا العام لم تحقق هذه الثورة أي إنجاز نوعي على مستوى حركتها، فبقيت مجرد تجمعات عشوائية تضم فئات شعبية صادقة وبقايا أحزاب يسارية تعتقد ان انهيار الاتحاد السوفياتي كارثة جيوبوليتيكية تفرض عليها الاختباء والتحرّك بأقل قدر ممكن من الضجيج.

هذه المحدودية والحرص الشديد سمحت لسعد الحريري ان يدعّي ان استقالته قبل عام إنما جاءت لتلبية الثورة «المفترضة» واتاحت لأحزاب القوات اللبنانية والاشتراكي الجنبلاطي والكتائب وبعض فروع المستقبل وأجنحة متطرفة لأشرف ريفي وزوايا شديدة التطرف موّل معظمها بهاء الحريري الشقيق الأكبر لسعد.

مع عودة سعد الى رئاسة الحكومة وسعيه لتشكيلها يجب على هذه «الثورة» أن تلتحق به لمعاونته في إنتاج معادلة تعكس العلاقة بينهما.

فهل هذا ممكن؟ باستثناء القوى الشعبيّة الصحيحة في الانتفاضة فإن كل الأحزاب المتسللة الى «الثورة» تعمل اليوم وبسرعة لإيجاد مكان لها في تشكيلة الحريري الحكومية، للذكر فقط فإن هؤلاء هم التقدمي الاشتراكي والكتائب والقوات التي تشترط المناصفة في اقتسام الوزراء المسيحيين مع التيار الوطني الحر.

ألا يكشف هذا الأمر مدى فشل هذه الثورة. ويوضح المستوى الكبير والمطلوب بسرعة لإعادة إنتاج انتفاضة شعبية لها أهداف عدة:

الاول نسف ما أسماه الإعلام والسياسيون زوراً وبهتاناً بـ»الثورة».

الثاني إعادة تشكيل انتفاضة لها برنامج عمل واضح وقيادة واضحة تتطوّر تدريجياً بالتوازي مع التحاق فئات جديدة بها.

الثالث الحرص الشديد على منع الاختراق من قبل أحزاب النظام السياسي الى تفاعلاتها.

الرابع إظهار حرص شديد على الربط بين الطائفية السياسية والنظام السياسي وبين الانهيار الاقتصادي والسياسي الذي يجتاح لبنان مهدداً دولته وكيانه السياسي.

لماذا ضرورة السرعة في هذه الإجراءات؟

يجب اعتبار الانتفاضة الاولى تجربة في إطار البحث عن الانتفاضة الفعلية القادرة على مجابهة النظام الطائفي والنجاح في مسألة إعادة بناء نظام سياسي وطني.

إن عودة سعد الحريري هي إعلان صريح بانتصار النظام الطائفي على كامل محاولات تغييره، وحتى مجرد تحسينه نسبياً، بما يعني أنه تمكن من استيعاب اي حركات شعبية جذرية معتقداً انه أعادها الى الماضي السحيق وخفايا الاحلام والذكريات.

الامر الذي يجب بالمقابل ان يؤدي فوراً الى إعادة تجميع القوى التغييرية الأساسية وتشكيل برنامج عمل شديد الوضوح مع التوسع في التحالفات تحت عنوان وحيد وهو ضرورة إسقاط هذا النظام الذي يعاود الإمساك بلبنان ضمن مشروع غربيسعودي له اهدافه على مستوى منع التغيير الوطني الداخلي وإجهاض أدوار حزب الله في جنوب لبنان وسورية ومكافحة الإرهاب.

والسرعة المطلوبة هنا ليست من أبواب التسرّع بل لمنع السماح للنظام السياسي بالاستقرار في مواقع السلطة مجدداً وإشعاره أن الأوضاع الشعبية في طريقها للتحوّل من المستوى الطائفي الى الإطار الوطني، بما يؤشر الى بدايات هزيمة النظام الطائفي اللبناني للمرّة الأولى منذ تأسيس دولة لبنان في 1948.

هذا لا يعني أن إسقاط النظام ممكن في الأفق القريب، لكن المطلوب للوصول الى هذا الهدف، تحضير الآليات القادرة على المجابهة في رحلة آلاف الأميال المطلوبة لمثل هذه الإنجازات.

ما يخدم هذه الوجهة هو أن الحكومة الحريريّة المرتقبة مرجأة الى مرحلة نضوج التسويات الإقليمية، الأمر الذي يدفع بالأوضاع في الداخل اللبناني لأشهر عدة مقبلة نحو انهيارات طبقية عميقة في صفوف الطبقة الوسطى وإفقار الفقراء وإشاعة البؤس والعوز في الفئات الأكثر فقراً.

أليست هذه المناخات هي التي أسست لسلسلة الثورات الفرنسيّة والبولشيفيّة والإنجليزية التي دفعت الى تأسيس أنظمة الطبقة الوسطى المستقرّة في الغرب واليابان.

فلماذا لا تتحقق في لبنان؟

إن الظروف الاجتماعية الداخلية مهيأة لدعم انتفاضات فعليّة لتأسيس لبنان جديد ينطلق من إلغاء الطائفية السياسية التي تشكل العلة الأساسية التي تسمح لأحزاب الطوائف بالسطو على المال العام والديون وأموال المصارف والوظائف العامة التي تضع فيها أزلامها وبالآلاف، وتتموّل من تنفيذها سياسات إقليمية على حساب سياسات منافسة.

فهل تتشكل هذه الانتفاضة الضرورية؟

المناخات الاجتماعية موجودة، لكن التيارات الشعبية تحتاج إلى مزيد من القوة للتعبير عن آلام الناس. وهذا ليس موجوداً حتى الآن ويتطلب جهوداً إضافية لتشكيله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى